للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حيث إن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لم ينه عنه، وبيّن سبب ترك النهي. (ومنها): جواز الاجتهاد لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، وبه يقول جمهور الأصوليين. وقيل: لا يجوز؛ لتمكنّه من الوحي. قال النوويّ: والصواب الأول (١). (ومنها): أن فيه إباحة التحدّث عن الأمم الماضية بما يفعلون. (ومنها): ما قاله الحافظ ابن عبد البرّ: فيه دليلٌ على أن من نهيه - صلى اللَّه عليه وسلم - ما يكون أدبًا، ورفقًا، وإحسانًا إلى أمته ليس من باب الديانة، ولو نهى عن الغِيلة كان ذلك وجه نهيه عنها انتهى (٢). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): قال الحافظ أبو عمر: قال ابن القاسم، وابن الماجشون، وحكاه ابن القاسم، عن مالك، ولم يسمعه منه: في الرجل يتزوّج المرأة، وهي تُرضع، فيُصيبها، وهي تُرضع: إن ذلك اللبن له، وللزوج قبله؛ لأن الماء يُغيّر اللبن، ويكون منه الغذاء. واحتجّ بهذا الحديث: "لقد هممتُ أن أنهى عن الغيلة … " الحديث. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك: إذا ولدت المرأة من الرجل، فاللبن منه بعد انفصاله وقبله، ولو طلّقها، فتزوّجت، وحملت من الثاني، فاللبن منهما جميعًا أبدًا حتى يتبيّن انقطاعه من الأول. ومن الحجة لمالك أيضًا أن اللبن يغيّره وطء الزوج الثاني، ولوطئه فيه تأثير قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: إذ نظر إلى المرأة الحامل من السبي، فسأل: "هل يطأ هذه صاحبها؟ " قيل له: نعم، فقال: لقد هممتُ أن ألعنه لعنةً تدخل معه في قبره، أيورّثه، وليس منه، أو يستعبده، وهو قد عداه في سمعه وبصره". قال: وهو حديثٌ في إسناده لين (٣).

وقال أبو حنيفة، وأصحابه، والشافعيّ: اللبن من الأول في هذه المسألة حتى تضع، فيكون من الآخر، وهو قول ابن شهاب. وقد روي عن الشافعيّ أنه منهما حتى تضع، فيكون من الثاني. انتهى (٤).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما ذهب إليه مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- أقرب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) راجع "شرح مسلم" للنوويّ ١٠/ ٢٥٨.
(٢) "التمهيد" ١٣/ ٩٣.
(٣) بل هو حديث صحيح، أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم ١٤٤١، وأبو داود في "سننه" ٢١٥٦، وأحمد في "مسنده" ٢١١٩٦ و ٢٦٩٧٣، والدارميّ في "مسنده" ٢٤٧٨.
(٤) "التمهيد" ١٣/ ٩٣ - ٩٤ و"الاستذكار" ١٨/ ٢٨٣ - ٢٨٤.