للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- تحقيقٌ حسنٌ جدًّا.

وحاصله ترجيح القول بقبول شهادة المرضعة؛ عملًا بظاهر حديث الباب، وهو ظاهر مذهب المصنّف، والبخاريّ -رحمهما اللَّه تعالى-. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في شهادة الإماء والعبيد:

قال الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى-: [باب شهادة الإماء والعبيد] وقال أنسٌ: شهادة العبد جائزة، إذا كان عدلًا، وأجازه شُريح، وزُرارة بن أوفَى. وقال ابن سيرين: شهادته جائزة إلا العبد لسيّده. وأجازه الحسن، وإبراهيم التيميّ في الشيء التافه. وقال شُريح: كلكم بنو عبيد وإماء. ثم أورد حديث عقبة بن الحارث - رضي اللَّه عنه - هذا مستدلًّا لجواز قبول شهادتهم.

وقال في "الفتح": وقد ذهب الجمهور إلى أنها لا تُقبل مطلقًا. وقالت طائفةٌ: تقبل مطلقًا. قال: ووجه الدلالة من حديث عقبة أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمر عقبة بفراق امرأته بقول الأمة المذكورة، فلو لم تكن شهادتها مقبولةً ما عَمِل بها.

واحتجّوا أيضًا بقوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} قالوا: فإن كان الذي في الرّقّ رضًا، فهو داخلٌ في ذلك.

وأجيب عن الآية بأنه تعالى قال في آخرها: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} والإباء إنما يتأتّى من الأحرار؛ لاشتغال الرقيق بحقّ السيّد.

وفي الاستدلال بهذا القدر نظر. وأجاب الإسماعيليّ عن حديث الباب، فقال: قد جاء في بعض طرقه: "فجاءت مولاة لأهل مكة" قال: وهذا اللفظ يُطلق على الحرّة التي عليها الولاء، فلا دلالة فيه على أنها كانت رقيقة.

وتُعُقّب بأن رواية حديث الباب فيه التصريح بأنها أمةٌ، فتعيّن أنها ليست بحرّة. وقد قال ابن دقيق العيد: إن أخذنا بظاهر حديث الباب، فلا بدّ من القول بشهادة الأمة. وقد سبق إلى الجزم بأنها كانت أمةً أحمد بن حنبل، رواه عنه جماعة، كأبي طالب، ومُهَنًّا، وحرب، وغيرهم انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: مذهب القائلين بقبول شهادة العبيد والإماء، كما أيّده الإمام البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى- هو الحقّ؛ لظهور أدلّته، والقائلون بخلافه لم يأتوا


(١) "فتح" ٥/ ٥٩٨ - ٥٩٩. "كتاب الشهادات".