للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تقبل في الرضاع شهادة النساء المتمحّضات، وعكسه الإصطخريّ من الشافعيّة.

وأجاب من لم يقبل شهادة المرضعة وحدها يحمل النهي في قوله: "فنهاه عنها" على التنزيه، وبحمل الأمر في قوله: "دعها عنك" على الإرشاد (١).

وقال العلاّمة الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- بعد أن ذكر الخلاف المذكور، وحملهم الخبر على الاستحباب: ما نصّه:

ولا يخفى أن النهي حقيقة في التحريم، كما تقرّر في الأصول، فلا يُخرَج عن معناه الحقيقيّ إلا لقرينة صارفة، والاستدلال على عدم قبول المرأة المرضعة بقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} الآية [البقرة: ٢٨٢] لا يُفيد شيئًا؛ لأن الواجب بناء العامّ على الخاصّ، ولا شكّ أن الحديث أخصّ مطلقًا.

وأما ما أجاب به عن الحديث صاحب "ضوء النهار" من أنه مخالف للأصول، فيجاب عنه بالاستفسار عن الأصول، فإن أراد الأدلّة القاضية باعتبار شهادة عدلين، أو رجل وامرأتين، فلا مخالفة؛ لأن هذا خاصّ، وهي عامّةٌ، وإن أراد غيرها، فما هو؟.

وأما ما رواه أبو عبيد عن عليّ، وابن عباس، والمغيرة أنهم امتنعوا من التفرقة بيّن الزوجين بذلك، فقد تقرّر أن أقوال بعض الصحابة ليست بحجة على فرض عدم معارضتها لما ثبت عنه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فكيف إذا عارضت ما هو كذلك؟.

وأما ما قيل من أن أمره - صلى اللَّه عليه وسلم - من باب الاحتياط، فلا يخفى مخالفته لما هو الظاهر، ولا سيّما بعد أن قرّر (٢) السؤال أربع مرّات، كما في بعض الروايات، والنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول له في جميعها: "كيف؟ وقد قيل"، وفي بعضها: "دعها عنك" كما في حديث الباب، وفي بعضها: "لا خير لك فيها"، مع أنه لم يثبت في رواية أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمره بالطلاق، ولو كان ذلك من باب الاحتياط لأمره به.

فالحقّ وجوب العمل بقول المرأة المرضعة، حرّة كانت، أو أمةً، حصل الظنّ بقولها، أو لم يحصل؛ لما ثبت في رواية أن السائل قال: "وأظنها كاذبة"، فيكون هذا الحديث الصحيح هادمًا لتلك القواعد المبنيّة على غير أساس، أعني قولهم: إنها لا تقبل شهادة فيها. تقرير لفعل الشاهد، ومخصّصًا لعمومات الأدلّة، كما خصّصها دليل كفاية العدالة في عورات النساء عند أكثر المخالفين انتهى كلام الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- (٣).


(١) راجع "الفتح" ٥/ ٦٠٠. "كتاب الشهادات".
(٢) هكذا نسخة "النيل" والظاهر أن الصواب: "بعد أن كرّر" بالكاف. فليُتأمل.
(٣) "نيل الأوطار" ٦/ ٣٣٨.