للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث

(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) - رضي اللَّه تعالى عنه - (أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسِ) وفي رواية مسلم: (أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم حنين، بعث جيشًا إلى أوطاس … ". قال النوويّ: "أوطاس": موضع عند الطائف، يُصرَف، ولا يُصرف انتهى (١). وقال الفيّوميّ: "أوطاس" من النوادر التي جاءت بلفظ الجمع للواحد، وهو واد في ديار هَوَازن، جَنُوبيّ مكة، بنحو ثلاث مَراحل، وكانت وقعتها بعد فتح مكة بنحو شهر انتهى (٢).

(فَلَقُوا) بضم القاف، وأصله لَقِيُوا بكسرها، من باب تَعِبَ، فلما استُثقلت الضمة على الياء نُقلت إلى القاف بعد سلب كسرتها، ثم حُذفت الياء لالتقاء الساكنين (عَدُوًّا) وهم هوازن. وفي نسخة: "فلقوا العدو" (فَقَاتَلُوهُمْ، وَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ) أي غلبوهم، وانتصروا عليهم (فَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا،) -بفتح السين المهملة، جمع سَبيّة، مثل عَطيّة وعَطَايا، وهي فَعِيلة بمعنى مفعولة، أي مسِبيّة (لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فْي الْمُشْرِكِينَ) أي الذين قاتلوهم، وانتصروا عليهم (فَكَانَ الْمُسلِمُونَ تَحَرَّجُوا) أي تجنّبوا الحرَج، وهو الإثم، قال الفيّوميّ: حَرِج صدرُهُ حَرَجًا، من باب تَعِبَ: ضاق، وحَرِجَ الرجلُ: أثِمَ، وصدرٌ حَرِجٌ ضَيِّقٌ، ورجلٌ حَرِجٌ آثم، وتحرّج الإنسان تحرُّجًا، هذا مما ورد لفظه مُخالفًا لمعناه، والمراد فعل فعلًا جانب به الحَرَجَ، كما يقال: تحنّث إذا فعل ما يخرُج به عن الحنث، قال ابن الأعرابيّ للعرب أفعالٌ تخالف معانيها ألفاظَها، قالوا: تحرّج، وتحنّث، وتأثّم، وتهجّد: إذا ترك الْهُجُود، ومن هذا الباب ما ورَدَ بلفظ الدعاء، ولا يُراد به الدعاء، بل الحثّ، والتحريض، كقوله: "تَرِبت يداك"، و"عَقْرَى حَلْقَى"، وما أشبه ذلك انتهى (٣).

(من غَشيَانِهنَّ) متعلّق بـ"تحرّجوا" يعني أنهم خافوا الوقوع في الحرج، وهو الإثم بسبب غشيانهنّ، أي وطئهنّ، من أجل أنهنَّ ذوات أزواج، والمزوّجة لا تحلّ لغير زوجها. زاد في رواية مسلم: "من أجل أزواجهنّ من المشركين". قال القرطبيّ: أي ظنّوا أن نكاح أزواجهنّ لم تنقطع عصمته. انتهى (٤).

(فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالْمُحْصَنَاتُ) بالرفع عطف على المحرّمات السابقة في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الآية أي حرّمت عليكم نكاح المحصنات، أي


(١) "شرح مسلم"١٠/ ٢٧٧.
(٢) "المصباح المنير" في مادة وطس.
(٣) "المصباح المنير" في مادة حرج.
(٤) "المفهم" ٤/ ١٩٣.