للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذوات الأزواج، فإنهنّ حرام على غير أزواجهنّ، إلا ما ملكتم بالسبي، فإنه ينفسخ نكاح أزواجهن الكفار، وتحلّ لكم، إذا انقضى استبراؤها.

قال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "تفسيره": والتحصّن التمنّع، ومنه الحِصن؛ لأنه يُمتنع فيه، ومنه قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ}، أي لتمنعكم، ومنه الحِصان للفرس -بكسر الحاء- لأنه يمنع صاحبه من الهلاك، والْحَصَان -بفتح الحاء- المرأة العفيفة لمنعها نفسها من الهلاك، وحَصُنت المرأةُ تَحصُنُ، فهي حَصَانٌ، مثلُ جبُنت فهي جَبَان، وقال حسّان في عائشة - رضي اللَّه تعالى عنهما -[من الطويل]:

حَصَانٌ رَزَازَنٌ ما تُزَنُّ بِريبةٍ … وَتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحُومِ الْغَوَافِلِ

والمصدر الْحَصَانة -بفتح الحاء- والحِصن كالعلم. انتهى (١).

وقال السمين الحلبيّ -رحمه اللَّه تعالى- في "تفسيره": قرأ الجمهور هذه اللفظة، سواء كانت معرّفةً بـ"أل"، أم نكرةً بفتح الصاد، والكسائيّ بكسرها في جميع القرآن، إلا قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} فإنه وافق الجمهور، فأما الفتح، ففيه وجهان:

أشهرهما أنه أُسند الإحصان إلى غيرهنّ، وهو إما الأزواج، أو الألياء، فإن الزوج يُحصن امرأته، أي يُعفّها، والوليّ يُحصنها بالتزويج، واللَّه يُحصنها بذلك.

والثاني: أن هذا المفتوح الصاد بمنزلة المكسور، يعني أنه اسم فاعل، وإنما شذّ فتح عين اسم الفاعل في ثلاثة ألفاظ: أحصَنَ، فهو مُحصَن، وألفج، فهو مُلْفَج (٢)، وأسهَبَ، فهو مُسْهَب.

وأما الكسر، فإنه أسند الإحصان إليهنّ؛ لأنهن يُحصِنّ أنفسهن بعفافهنّ، أو يُحصِنّ فروجهنّ بالحفظ، أو يُحصنّ أزواجهنّ.

وقد ورد الإحصان في القرآن لأربعة معان: الأول: التزوج، كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}. الثاني: الحرّيّة، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} الآية. الثالث: الإسلام، كما في قوله تعالى؛ {فَإِذَا أُحْصِنَّ} قيل في تفسيره: أسلمن. الرابع: العفة، كما في قوله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ}. انتهى (٣).

({مِنَ النِّسَاءِ}) في محلّ نصب على الحال ({إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}) قال السيمن


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ٥/ ١٢٠.
(٢) يقال: ألفج، فهو ملفَجٌ بفتح اللام: إذا أفلَسَ. "ق".
(٣) "الدر المصون في علم الكتاب المكنون" ٢/ ٣٤٤. بزيادة من حاشية الجمل ١/ ٣٧١.