للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: واعلم أن مذهب الشافعيّ، ومن قال بقوله من العلماء أن المسبيّة من عَبَدة الأوثان، وغيرهم من الكفّار الذين لا كتاب لهم، لا يحلّ وطؤها بملك اليمين، حتى تُسلم، فما دامت على دينها، فهي محرّمة، وهؤلاء المسبيّات كُنّ من مشركي العرب عبدة الأوثان، فيؤوّل هذا الحديث، وشبهه على أنهنّ أسلمن، وهذا التأويل لا بدّ منه. واللَّه أعلم انتهى (١).

وقال الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: ظاهر الحديث أنه لا يشترط في جواز وطء المسبيّة الإسلام، ولو كان شرطًا لبيّنه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولم يُبيّنه، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وذلك وقتها، ولا سيّما وفي المسلمين في يوم حنين وغيره من هو حديث عهد بالإِسلام، يخفى عليهم مثل هذا الحكم، وتجويز حصول الإسلام من جميع السبايا، وهي في غاية الكثرة بعيدٌ جدًّا، فإن إسلام مثل عدد المسبيّات في أوطاس دفعةً واحدةً، من غير إكراه لا يقول بأنه يصحّ تجويزه عاقلٌ. ومن أعظم المؤيّدات لبقاء المسبيّات على دينهنّ ما ثبت من ردّه - صلى اللَّه عليه وسلم - لهنّ بعد أن جاء إليه جماعة من هوازن، وسألوه أن يردّ إليهم ما أخذ عليهم من الغنيمة، فردّ إليهم السبي فقط. وقد ذهب إلى جواز وطء المسبيّات الكافرات بعوإلاستبراء المشروع جماعة: منهم طاوس، وهو الظاهر؛ لما سلف انتهى كلام الشوكانيّ -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذكره الشوكانيّ أن الأرجح قول من قال بجواز وطء المسبيات الكافرات غير الكتابيات بعد الاستبراء؛ لقوة دليله، وأن التأويل الذي ذكره النوويّ فيه بُعدٌ، وتكلّف، فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): اختلف العلماء أيضًا في الأمة إذا بيعت، وهي مزوّجةٌ مسلمًا، هل ينفسخ النكاح، وتحلّ لمشتريها، أم لا؟، فقال ابن عبّاس: ينفسخ لعموم قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤]. وقال سائر العلماء: لا ينفسخ، وخصّوا الآية بالمملوكة بالسبي. قال المازريّ: هذا الخلاف مبنيّ على أن العموم إذا خرج على سبب، هل يقصر على سببه، أم لا؟، فمن قال: يُقصَرُ على سببه لم يكن فيه حجة للمملوكة بالشراء؛ لأن التقدير إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي، ومن قال: لا يقصر، بل يُحمل على عمومه قال: ينفسخ نكاح المملوكة بالشراء، لكن ثبت في حديث شراء عائشة بريرة أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - خيّر بريرة في زوجها، فدلّ


(١) "شرح مسلم" ١٠/ ٢٧٨.
(٢) "نيل الأوطار" ٦/ ٣٢٦ - ٣٢٧.