باب ضَرَبَ نِكَاحًا: إذا تزوّجا (فَأَسْلَمَ) أبو طلحة (فَكَانَ صِدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا) اسم "كان" ضمير يعود إلى الإسلام، أي كان الإسلام صداقَ النكاح الذي جرى بينهما، ولم يذكرا مالًا. وهذا محلّ الترجمة، فإنه ظاهر في أن الإسلام يجوز أن يكون مهرًا للنكاح، وهذا هو المذهب الراجح. قال السنديّ: وتأويله عند من لا يقول بظاهره أن الإسلام صار سببًا لاستحقاقه لها كالمهر، لا أنه المهر حقيقةٌ، ومن جوّز أن المنفعة الدينية تكون مهرًا لا يحتاج إلى تأويل، ولا يخفى أن الرواية الآتية تردّ التأويل المذكور. وقد يؤوّل بأنها اكتفت عن المعجّل بالإسلام، وجعلت الكلّ مؤجّلًا بسببه، فليتأمّل انتهى (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: تأويله الأخير بعيدٌ أيضًا، يبعده "فإن تُسلم، فذاك مهري، وما أسألك غيره"، فقد أكّدت نفي المهر الماليّ مطلقًا، معجلًا، أو مؤجّلًا، حيث قالت:"وما أسألك غيره"، فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أنس - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح، وهو من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، أخرجه هنا-٦٣/ ٣٣٤١ و ٣٣٤٢ - وفي "الكبرى" ٦١/ ٥٥٠٣ و ٥٥٠٤. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان جواز النكاح على أن يكون المهر إسلام الزوج. (ومنها): أن فيه بيان فضيلة أم سليم - رضي اللَّه تعالى عنها -، حيث كانت سببًا لإِسلام زوجها. (ومنها): جواز إسلام الرجل ليتزوّج امرأة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): استُشكل هذا الحديث مع حديث الهجرة، حيث قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ومن كانت هجرته إلى دنيا يُصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هجر إليه".
[وأجيب] عنه بأجوبة، تقدّم بيانها في أوائل هذا الشرح، عند شرح حديث النيّة.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هكذا استشكلوه، وعندي أنه لا إشكال في ذلك أصلًا، إذ دخول الشخص في الإسلام لأيّ سبب من الأسباب لا يضرّه، إذا حسن بعد ذلك إسلامه؛ إذ بعض المؤمنين الأولين هكذا كان دخولهم في الإسلام، ثم رزقهم اللَّه