تعالى الثبات فيه، كما قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا}، إلى أن قال: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} الآية [النساء: ٩٤]، ولذلك جعل اللَّه تعالى في الصدقات قسم المؤلّفة قلوبهم، فكثيرٌ من الناس يدخل في الإسلام، طمعًا في مال، أو جاه، ثم يدخل الإيمان في قلبه، فيكون من خيار المسلمين، فيكون أبو طلحة - رضي اللَّه عنه - من هذا القبيل، وإنما يضرّه أن يكون بعد دخوله في الإسلام لا حاجة له إلا غرضه ذلك، بحيث لو قُدّر أن فقده ما ثبت على الإسلام، كما قال اللَّه تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} الآية [الحجّ: ١١]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٣٣٤٢ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوِرٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ, عَنْ ثَابِتٍ, عَنْ أَنَسٍ, قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ, فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ, يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ, وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ, وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ, وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ, فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي, وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ, فَأَسْلَمَ, فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا, قَالَ ثَابِتٌ: فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ, كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ, الإِسْلَامَ, فَدَخَلَ بِهَا, فَوَلَدَتْ لَهُ).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "محمد بن النضر بن مساور": هو المروزيّ، صدوق [١٠] ٧٠/ ٢٣٧.
و" جعفر بن سُليمان": هو أبو سليمان الضُّبَعيّ البصريّ، صدوق زاهد، لكنه كان يتشيّع [٨] ١٤/ ١٤
و"ثابتٌ": هو البنانيّ. وهذا الإسناد أيضًا من رباعيّاته، كالماضي، وهو (١٦٩) من رباعيات الكتاب.
وقوله: "ولا يحلّ لي أن أتزوّجك" استُشكل هذا بأن أبا طلحة ممن أسلم في أوائل الهجرة، وتحريم المسلمات على الكفّار إنما جاء بين الحديبية، والفتح، فكيف تقول: ولا يحلّ لي أن أتزوّجك"؟.
قال الحافظ العراقيّ في "طرح التثريب": والحديث، وإن كان صحيح الإسناد، فإنه معلّل يكون المعروف أنه لم يكن حينئذ تحريم المسلمات على الكفّار إنما نزل بين الحديبية، وبين الفتح، حين نزل قوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} الآية [الممتحنة: ١٠]، كما ثبت في "صحيح البخاريّ"، فقول أم سُليم في الحديث: "ولا يحلّ لي أن أتزوّجك" شاذّ مخالفٌ للحديث الصحيح، وما اجتمع عليه أهل السنن انتهى (١).
(١) "طرح التثريب" ٢/ ٢٧.