للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنه زاد لسيّده نُصحًا، وفي عبادة ربه إحسانًا، فكان له أجر الواجبين، وأجر الزيادة عليهما. قال: والظاهر خلاف هذا، وأنه بَيَّنَ ذلك لئلا يُظن أنه غير مأجور على العبادة انتهى.

قال الحافظ: وما ادّعى أنه الظاهر لا ينافي ما نقله قبل ذلك.

[فإن قيل]: يلزم أن يكون أجر المماليك ضعف أجر السادات.

[أجاب الكرمانيّ]: بأن لا محذور في ذلك، أو يكون أجره مضاعفًا من هذه الجهة، وقد يكون للسيّد جهات أخرى يستحقّ بها أضعاف أجر العبد، أو المراد ترجيح العبد المؤدّي للحقّين على العبد المؤدّي لأحدهما انتهى.

ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر مختصًا بالعمل الذي يتّحد فيه طاعة اللَّه، وطاعة السيّد، فيعمل عملًا واحدًا، ويؤجر عليه أجرين بالاعتبارين، وأما العمل المختلف الجهة، فلا اختصاص له بتضعيف الأجر فيه على غيره من الأحرار. قاله في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أنما سبق في كلام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- هو المعنى الأشبه بظاهر النصّ، وحاصله أن العبد لما توجه إليه واجبان: طاعة ربه، وطاعة سيده، فقام بهما جميعًا كان له أجره بهما، وهذا لا يوجد في الحرّ، ولا في العبد الذي يخلّ بأحد الواجبين. اللَّه تعالى أعلم.

(وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ) لفظ الكتاب عامّ، ومعناه خاصّ، أي المنزل من عند اللَّه، والمراد به التوراة والإنجيل، كما تظاهرت به نصوص الكتاب والسنّة، حيث يطلق أهل الكتاب. وقيل: المراد به هنا الإنجيل خاصّةً، إن قلنا: إنّ النصرانيّة ناسخة لليهوديّة. كذا قرّره جماعة، ولا يحتاج إلى اشتراط النسخ؛ لأن عيسى - عليه الصلاة والسلام - كان قد أرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف، فمن أجابه منهم نُسب إليه، ومن كذّبه منهم، واستمرّ على يهوديّته لم يكن مؤمنًا، فلا يتناوله الخبر؛ لأن شرطه أن يكون مؤمنًا بنبيّه. نعم من دخل في اليهوديّة من غير بني إسرائيل، أو لم يكن بحضرة عيسى - عليه السلام -، فلم تبلغه دعوته يصدق عليه أنه يهوديّ مؤمنٌ، إذ هو مؤمنٌ بنبيّه موسى - عليه السلام -، ولم يكذب نبيًّا آخر، فمن أدرك بعثة محمد - صلى اللَّه عليه وسلم - ممن كان بهذه المثابة، وآمن به لا يُشكل أنه يدخل في الخبر المذكور، ومن هذا القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها، ممن دخل منهم في اليهوديّة، ولم تبلغهم دعوة عيسى - عليه السلام -؛ لكونه أُرسل إلى بني إسرائيل خاصّةً.


(١) "فتح" ٤٨٣ - ٤٨٤. "كتاب العتق" رقم الحديث ٢٥٤٦.