للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك يوم خيبر، فإما أن يكون على ظاهره، وأن النهي عنهما وقع في زمن واحد، وإما أن يكون الإذن الذي وقع عام الفتح لم يبلغ عليًّا لقصر مدّة الإذن، وهو ثلاثة أيام، كما تقدّم.

والحديث في قصّة تبوك (١) على نسخ الجواز في السفر لأنه نهى عنها في أوائل إنشاء السفر مع أنه كان سفرًا بعيدًا، والمشقّة فيه شديدة كما صرّح به في الحديث في توبة كعب، وكأن علّة الإباحة، وهي الحاجة الشديدة انتهت من بعد فتح خيبر، وما بعدها. واللَّه أعلم.

قال الحافظ: والجواب عن قول السهيليّ أنه لم يكن في خيبر نساءٌ يستمتع بهنّ ظاهر مما بيّنته من الجواب عن قول ابن القيّم: لم تكن الصحابة يتمتّعون باليهوديات، وأيضًا فيقال -كما تقدّم-: لم يقع في الحديث التصريح بأنهم استمتعوا في خيبر، وإنما فيه مجرّد النهي، فيؤخذ منه أن التمتّع من النساء، كان حلالًا، وسبب تحليله ما تقدّم في حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -، حيث قال: "كنا نغزو، وليس لنا شيء -ثم قال-: فرخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب"، فأشار إلى سبب ذلك، وهو الحاجة مع قلّة الشيء، وكذا في حديث سهل بن سعد الذي أخرجه ابن عبد البرّ بلفظ: "إنما رخّص النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة، ثم نهى عنها"، فلما فُتِحت خيبر وسع عليهم من المال، ومن السبي، فناسب النهي عن المتعة؛ لارتفاع سبب الإباحة، وكان ذلك من تمام شكر نعمة اللَّه على التوسعة بعد الضيق، أو كانت الإباحة إنما تقع في المغازي التي يكون في المسافة إليها بُعْدٌ ومشقّةٌ، وخيبر بخلاف ذلك؛ لأنها بقرب المدينة فوقع النهي عن المتعة فيها إشارة إلى ذلك من غير تقدّم إذن فيها، ثم لمّا عادوا إلى سفرة بعيدة المدّة، وهي غزاة الفتح، وشقّت عليهم العزوبة أذن لهم في المتعة، لكن مقيّدًا بثلاثة أيام فقط دفعًا للحاجة، ثم نهاهم بعد انقضائها عنها. وهكذا يجاب عن كلّ سفرة ثبت فيها النهي بعد الإذن.

وأما حجة الوداع، فالذي يظهر أنه وقع فيها النهي مجرّدًا، إن ثبت الخبر في ذلك؛ لأن الصحابة حجِّوا فيها بنسائهم بعد أن وُسّع عليهم، فلم يكونوا في شدّة، ولا طول عزبة، وإلا فمخرج حديث سَبْرة روايه، هو من طريق ابن الربيع عنه، وقد اختُلِفَ عليه في تعيينها، والحديث واحدٌ في قصّة واحدةٍ، فتعيّن الترجيح، والطريق التي أخرجها مسلم مصرّحة بأنها في زمن الفتح أرجح، فتعيّن المصير إليها، واللَّه أعلم انتهى (٢).


(١) قوله: "والحديث في قصة تبوك إلخ" هكذا عبارة الفتح، وفيها غموض، ودعل فيها سقطًا. واللَّه تعالى أعلم.
(٢) "فتح" ٢١٠ - ٢١٤.