للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: خلاصة القول في مسألة المتعة أن الأصحّ أنها مما تكرَّر نسخها، وإباحتها، فكانت مباحة قبل خيبر، فحرّمت فيها، ثم أُبيحت زمن الفتح لمدّة ثلاثة أيام، ثم حرّمت فيها بعد الثلاثة تحريمًا مؤبّدًا إلى يوم القيامة، وأما الرواية بأنه حرمت عام حجة الوداع، فتؤوّل بأن المراد أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أعاد ذكر تحريمها، حتى يعلمه الجميع، دون أن يتقدّم له إذن فيه، فبهذا تجتمع أحاديث الباب، ويزول إشكالها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في أقوال أهل العلم في حكم نكاح المتعة:

قال أبو عبد اللَّه القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: قال أبو بكر الطرطوشيّ: ولم يرخّص في نكاح المتعة إلا عمران بن حُصين، وابن عبّاس، وبعض الصحابة، وطائفة من أهل البيت، وفي قول ابن ابن عباس يقول الشاعر [من الطويل]:

أَقُولُ لِلرَّكْبِ إِذْ طالَ الثَّواءُ بِنَا (١) … يَا صَاحِ هَلْ لَكَ فِي فُتْيا ابْنِ عَبّاسِ

فِي بَضَّةٍ رَخْصَةِ الأَطْرَافِ ناعِمَةٍ (٢) … تَكُونُ مَثوَاكَ حَتَّى مَرْجِعِ النّاسِ

وسائر العلماء، والفقهاء، من الصحابة والتابعين، والسلف الصالحين على أن هذه الآية منسوخةٌ (٣)، وأن المتعة حرام انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (٤).

وقال الحافظ ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى- في كتابه "الاستذكار": وأما الصحابة - رضي اللَّه عنهم -، فإن الأكثر منهم على النهي عنها، وتحريمها. قال: وأصحاب ابن عبّاس من أهل مكة، واليمن كلهم يرون المتعة حلالًا على مذهب ابن عبّاس، وحرّمها سائر الناس. قال معمر: قال الزهريّ: ازداد الناس لها مقتًا حين قال الشاعر:

يا صاحِ هَلْ لَكَ فِي فُتْيَا ابْنِ عَبّاسِ

قال ابن عبد البرّ: هما بيتان:

قالَ الْمُحَدِّثُ لَمَّا طَالَ مَجْلِسُهُ … يَا صَاحِ هَلْ لَكَ فِي فُتْيا ابْنِ عَبّاسِ

فِي بَضَّةِ رَخْصَةِ الأَطْرافِ آنِسَةٍ … تَكُونُ مَثواكَ حَتَّى مَرْجِعِ النَّاسِ


(١) بالفتح: الإقامة.
(٢) البضّة بالفتح: المرأة الناعمة، سمراء، كانت، أو بيضاء، وقيل: هي اللَّحِيمة البيضاء. والرَّخْصُ -بفتح، فسكون-: الشيء الناعم اللين، ورَخْصَة الأطراف: أي لينتها.
(٣) يعني قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} الآية، وقد تقدّم الاختلاف، هل هي منسوخة، أم ليست بمنسوخة، ولكن معناها: ما استمتعتم به منهنّ بنكاح صحيح، وليس المتعة المعروفة، فلا تدلّ الآية عليها، وهذا هو الصحيح في معنى الآية، كما تقدّم تحقيقه؟، فتنبّه لذلك.
(٤) "الجامع لأحكام القرآن" ٥/ ١٣٣.