للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وروى الليث بن سعد، عن بكير بن الأشجّ، عن عمار مولى الشَّرِيد، قال: سألت ابن عبّاس عن المتعة، أسفاح هي، أم نكاح؟ قال: لا سِفاحٌ هي، ولا نكاح، قلت: فما هي؟، قال: المتعة، كما قال اللَّه تعالى، قلت: هل عليها عدّةٌ؟، قال: نعم حيضةٌ، قلت: يتورثان؟ قال: لا.

قال أبو عمر: اتفق أئمّةُ علماء الأمصار، من أهل الرأي والآثار" منهم: مالك، وأصحابه من أهل المدينة، وسفيان، وأبو حنيفة من أهل الكوفة، والشافعيّ، ومن سلك سبيله من أهل الحديث والفقه والنظر، والليث بن سعد من أهل مصر، والمغرب، والأوزاعيّ في أهل الشام، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عُبيد، وداود، والطبريّ على تحريم نكاح المتعة لصحّة نهي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عندهم عنها.

واختلفوا في معنًى منها، وهو الرجل يتزوّج المرأة عشرة أيام، أو شهرًا، أو أيامًا معلومات، وأجلًا معلومًا، فقال مالك، والثوريّ، وأبو حنيفة، والشافعيّ، والأوزاعيّ: هذا نكاح المتعة، وهو باطلٌ، يُفسخ قبل الدخول، وبعده. وقال زفر: إن تزوّجها عشرة أيام، أو نحوها، أو شهرًا، فالنكاح ثابت، والشرط باطلٌ، وقالوا كلهم إلا الأوزاعي: إذا نكح المرأة نكاحًا صحيحًا، ولكنه نوى في حين عقده عليها ألا يمكث معها إلا شهرًا، أو مدّة معلومة، فإنه لا بأس به، ولا تضرّه في ذلك نيّته إذا لم يكن شرط ذلك في نكاحه.

قال ابن عبد البرّ: في حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - بيانُ أن المتعة نكاح إلى أجل، وهذا يقتضي الشرط الظاهر، وإذا سلم العقد منه صحّ. وباللَّه التوفيق انتهى كلام ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى- باختصار (١).

وقال الحافظ في "الفتح": وقد اختلف السلف في نكاح المتعة، قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها، ولا أعلم اليوم أحدًا يُجيزها إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقولٍ يُخالف كتاب اللَّه، وسنّة رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -. وقال عياضٌ: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض. وأما ابن عبّاس، فروي عنه أنه أباحها. وروي عنه أنه رجع عن ذلك. قال ابن بطال: روى أهل مكّة واليمن عن ابن عبّاس إباحة المتعة. وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصحّ، وهو مذهب الشيعة. قال: وأجمعوا على أنه متى وقع الآن أُبطل سواء كان قبل الدخول، أم بعده، إلا قول زُفر أنه جعلها كالشروط الفاسدة، ويردّه قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فمن كان عنده منهنّ شيء، فليُخلّ


(١) "الاستذكار" ١٦/ ٣٠٠ - ٣٠٢.