للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القاري في "المرقاة": "الصوت": أي الذكر، والتشهير، و"الدّفّ": أي ضربه، فإنه يتمّ به الإعلان. قال ابن الملك: ليس المراد أن لا فرق بين الحلال والحرام في النكاح إلا هذا الأمر، فإن الفرق يحصلُ بحضور الشهود عند العقد، بل المراد الترغيب إلى إعلان أمر النكاح، بحيث لا يَخفَى على الأباعد، فالسنّة إعلان النكاح بضرب الدّفّ، وأصوات الحاضرين بالتهنئة، أو النغمة في إنشاد الشعر المباح. وفي "شرح السنّة": معناه: إعلان النكاح، واضطراب الصوت به، والذكر في الناس، كما يقال: فلان ذهب صوته في الناس. وبعض الناس يذهب به إلى السماع، وهذا خطأ - يعني السماع المتعارف بين الناس الآن- انتهى كلام القاري (١).

وقال البيهقيّ في "سننه": ذهب بعض الناس إلى أن المراد السماع، وهو خطأٌ، وإنما معناه عندنا إعلان النكاح، واضطراب الصوت به، والذكر في الناس (٢).

وقال بعض أهل التحقيق: ما ذكره البيهقيّ محتملٌ، وليس الحديث نصًّا فيه، فالأول محتملٌ أيضًا، فالجزم بكونه خطأ لا دليل عليه، عند الإنصاف. واللَّه تعالى أعلم انتهى.

قال السنديّ: يمكن أن يكون مراده أن الاستدلال به على السماع خطأ، وهذا ظاهرٌ؛ لأن الاحتمال يُفسد الاستدلال، لكن قد يقال: ضمُّ الصوت إلى الدفّ شاهد صدقٍ على أن المراد هو السماع، إذ ليس المتبادر عند الضمّ غيرُهُ مثلَ تبادره، فصحّ الاستدلال؛ إذ ظهور الاحتمال يكفي في الاستدلال، ثم قد جاء في الباب ما يغني، ويَكفي في إفادة أن المراد هو السماع، فإنكاره يُشبه ترك الإنصاف. واللَّه تعالى أعلم انتهى كلام السنديّ (٣).

وقال العلامة المباركفوريّ: الظاهر عندي -واللَّه تعالى أعلم- أن المراد بالصوت ها هنا الغناء المباح، فإن الغناء المباح بالدّفّ جائزٌ في العُرْس، يدلّ عليه حديث الرُّبيّع بنت مُعوِّذ - رضي اللَّه تعالى عنها -، وهو ما أخرجه البخاريّ في "صحيحه" من طريق خالد ابن ذكوان، قال: قالت الرُّبَيِّعُ بنت مُعَوِّذ بن عَفراء، جاء النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، فدخل حين بُنِي عليَّ، فجلس على فراشي، كمجلسك مني، فَجَعَلَت جُويريات لنا يضربن بالدفّ، ويَندُبن من قُتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يَعلَم ما في غد، فقال: "دَعِي هذه، وقولي بالذي كنت تقولين". انتهى كلام المباركفوريّ بتصرّف (٤).


(١) راجع "تحفة الأحوذيّ" ٤/ ٢٠٩.
(٢) انظر "السنن الكبرى" للبيهقيّ ٧/ ٢٩٠.
(٣) "شرح السنديّ" ٦/ ١٢٧ - ١٢٨.
(٤) "تحفة الأحوذيّ" ٤/ ٢٠٩.