[أحدها]: أن ذلك كان قبل النهي، وهذا يحتاج إلى تاريخ، ويؤيّده أن سياق قصّة عبد الرحمن يُشعر بأنها كانت في أوائل الهجرة، وأكثر من روى النهي ممن تأخّرت هجرته.
[ثانيها]: أن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلّقت به من جهة زوجته، فكان ذلك غير مقصود له. ورجّحه النوويّ، وعزاه للمحقّقين، وجعله البيضاويّ أصلًا، ردّ إليه أحد الاحتمالين أبداهما في قوله:"مهيم"، فقال: معناه: ما السبب في الذي أراه عليك؟ فلذلك أجاب بأنه تزوّج، قال: ويحتمل أن يكون استفهام إنكار؛ لما تقدّم من النهي عن التضمّخ بالخلوق، فأجاب بقوله:"تزوّجت"، أي فتعلّق بي منها، ولم أقصد إليه.
[ثالثها]: أنه كان قد احتاج إلى التطيّب للدخول على أهله، فلم يجد من طيب الرجال حينئذ شيئًا، فتطيّب من طيب المرأة، وصادف أنه كان فيه صُفْرة، فاستباح القليل منه عند عدم غيره؛ جمعًا بين الدليلين، وقد ورد الأمر في التطيّب للجمعة، ولو من طيب المرأة، فبقي أثر ذلك عليه.
[رابعها]: أنه كان يسيرًا، ولم يبق إلا أثره، فلذلك لم يُنكره.
[خامسها]: -وبه جزم الباجيّ- أن الذي يكره من ذلك ما كان من زعفران وغيره من أنواع الطيب، وأما ما كان ليس بطيب، فهو جائز.
[سادسها]: أن النهي عن التزعفر للرجال ليس على التحريم بدلالة تقريره لعبد الرحمن بن عوف في هذا الحديث.
[سابعها]: أن العَرُوس يُستثنى من ذلك، ولا سيّما إذا كان شابًّا، ذكر ذلك أبو عُبيد قال: وكانوا يُرخّصون للشابّ في ذلك أيام عُرْسه، قال: وقيل: كان في أوّل الإسلام من تزوّج لبس ثوبًا مصبوغًا علامةً لزواجه ليُعان على وليمة عرسه، قال: وهذا غير معروف.
قال الحافظ: وفي استفهام النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - له عن ذلك دلالة على أنه لا يختصّ بالتزويج، لكن وقع في بعض طرقه عند أبي عوانة من طريق شعبة، عن حميد بلفظ:"فأتيت النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فرأى عليّ بَشاشة العُرْس، فقال: أتزوّجتَ؟ قلت: تزوّجت امرأة من الأنصار"، فقد يتمسّك بهذا السياق للمدّعي، ولكن القصّة واحدة، وفي أكثر الروايات أنه قال له:"مهيم؟، أو ما هذا؟ "، فهو المعتمد.
وبَشاشة العُرْس أثره، وحسُنه، أو فرحه وسروره، يقال: بَشَّ فلان بفلان، أي أقبل