للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عنوةً: أي عن طاعة، وصُلح. قال ابن الأثير: هو من عنا يعنو: إذا ذلّ وخَضَعَ، والعَنْوَةُ: المرّة الواحدة منه، كأن المأخوذ بها يَخْضَعُ ويَذِلُّ (١). وأُخِذت البلاد عَنوَةً بالقهر والإذلال.

وقال ابن الأعرابي: عنا يَعنُو: إذا أخذ الشيء قهرًا، وعنا يَعنُو عَنْوةً فيهما: إذا أخذ الشيء صُلحًا بإكرام ورِفْقٍ. والْعَنْوةُ أيضًا المودّةُ. وقال الأزهري: قولهم: أخذتُ الشيءَ عَنْوةً يكون غلبةً، ويكون عن تسليم وطاعةٍ ممن يُؤخذ منه الشيءُ، وأنشد الفراء لِكُثَيِّر [من الطويل]:

فَمَا أَخَذُوهَا عَنْوَةً عَنْ مَوَدَّةٍ … وَلَكِنَّ ضَرْبَ الْمَشْرَفِيِّ اسْتَقالَهَا

فَهذا على معنى التسليم والطاعة بلا قتال. ذكره ابن منظور (٢).

وقال في "الفتح": وقد اختُلف في فتح خيبر، هل كان عنوةً، أو صلحًا، وفي حديث عبد العزيز بن صُهيب، عن أنس - رضي اللَّه عنه - التصريح بأنه كان عَنوةً، وبه جزم ابن عبد البرّ، وردّ على من قال فُتحت صلحًا، قال: وإنما دخلت الشبهة على من قال: فُتحت صُلحًا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحَقْن دمائهم، وهو ضربٌ من الصلح، لكن لم يقع ذلك إلا بحصار، وقتال. انتهى.

قال الحافظ: والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -: إن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قاتل أهل خيبر، فغلب على النخل، وألجأهم إلى القصر، فصالحوه على أن يجلوا منها، وله الصفراء، والبيضاء، والحلقة، ولهم ما حملت ركابهم، على أن لا يكتموا، ولا يُغيّبوا … " الحديث، وفي آخره: "فسبَى نساءهم، وذراريّهم، وقسم أموالهم؛ للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يُجليهم، فقالوا: دَعْنَا في هذه الأرض نُصلحها … " الحديث. أخرجه أبو داود، والبيهقيّ، وغيرهما. وكذلك أخرجه أبو الأسود في "المغازي" عن عروة. فعلى هذا كان قد وقع الصلح، ثم حدث النقض منهم، فزال أثر الصلح، ثمّ منّ عليهم بترك القتل، وإبقائهم عُمّالًا بالأرض، ليس لهم فيها ملكٌ، ولذلك أجلاهم عمر - رضي اللَّه عنه -، فلو كانوا صُولحوا على أرضهم لم يُجْلَوا منها. واللَّه أعلم.

قال: وقد احتجّ الطحاويّ على أن بعضها فُتح صلحًا بما أخرجه هو وأبو داود من طريق بُشَير بن يسار: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لَمّا قسم خيبر، عزل نصفها لنوائبه، وقسم نصفها


(١) "النهاية" ٣/ ٣١٥.
(٢) "لسان العرب" ١٥/ ١٠١ مادّة عنا.