أم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها -، قالت: كلّمني صواحبي، وهنّ … فذكرتهنّ (كَلَّمْنَهَا أَنْ تُكَلِّمَ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، أَنَّ النَّاس) يحتمل فتح "أنّ" على تقدير حرف التعليل، أي إنما كلموها بما ذُكر؛ لأن الناس كانوا الخ. ويحتمل كسرها على أن تكون الجملة تعليلة (كانُوا يَتَحَرَّوْنَ بَهدَايَاهُمْ يَومَ عَائِشَةَ) لما يرون من حبّ النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - إياها أكثر من حبّه غيرها، ففي رواية البخاريّ:"وكان الناس قد علموا حبّ رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديّةٌ يُريد أن يُهديها إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أخّرها، حتى إذا كان رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في بيت عائشة بعث صاحب الهديّة إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - في بيت عائشة، فكلّم حزب أم سلمة، فقلن لها: كلّمي رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يُكلّم الناس، فيقول: من أراد أن يُهدي إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - هديّةً، فليُهدها حيث كان من بيوته … ".
ولا يخفى أن ما طلبنه مما لا يليق بصاحب المروءة ذكره في مجالس الناس، فطلبنهنّ منه - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يذكر للناس مثل هذا إما لعدم تفطّنهنّ لما فيهنّ من شدّة الغيرة، أو هو كناية عن التسوية بينهنّ في المحبّة بألطف وجه؛ لأن منشأ تحرّي الناس زيادة المحبّة لعائشة، فعند التسوية بينهنّ في المحبّة يرتفع التحرّي من الناس، فكأنه إذا ساوى بينهنّ في المحبّة فقد أمرهم بعدم التحريّ. واللَّه تعالى أعلم (١)(وَتَقُولُ لَهُ: إِنَّا نُحِبُّ الْخَيْرَ) والمراد ما يُهدى إليه - صلى اللَّه عليه وسلم - من أصحابه (كَمَا تُحَبُّ عَائِشَةَ) - رضي اللَّه تعالى عنها - (فَكَلَّمَتْهُ) أم سلمة - رضي اللَّه تعالى عنها - (فَلَمْ يُجِبْهَا) بضمّ أوله، من الإجابة، أي لم يردّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عليها جوابًا، وفي رواية البخاريّ:"فلم يقل لها شيئًا". ولعله - صلى اللَّه عليه وسلم - ترك الجواب، رجاءَ أن تفهم من إعراضه عن إجابتها، أنه لا يحبّ أن يُكلَّم في شأن عائشة - رضي اللَّه تعالى - عنها (فَلَمَّا دَارَ عَلَيْهَا كَلَّمَتْهُ أَيضًا، فَلَمْ يُجِبْهَا، وَقُلْنَ: مَا رَدَّ عَلَيْكِ؟)"ما" استفهاميّةٌ، أي أيَّ شيء ردّ - صلى اللَّه عليه وسلم - على سؤالك؟ (قَالَتْ: لَمْ يُجِبْنِي، قُلنَ: لَا تَدَعِيهِ) بفتح الدال: أي لا تتركيه من المراجعة في هذه القضية (حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْكِ) أي جوابَا مناسبًا لأغراضهنّ، وذلك أن يوافق على أن يكلّم الناس في شأن الهديّة، فيقول: من كان عنده هديّة يريد أن يُهديها إلى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فليُهدها حيث كان من بيوت أزواجه، ولا يخصّ بين عائشة - رضي اللَّه تعالى عنهنّ - (أَوْ تَنْظُرِينَ مَا يَقُولُ؟) أي من الأعذار التي تمنعه من أن يقول للناس ما ذُكر (فَلَمَّا دَارَ عَلَيْهَا كلَّمَتْهُ، فَقَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (لَا تُؤذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ) الفاء للتعليل، أي لأنه (لَمْ يَنزِلْ عَلَيَّ الْوَحْيُ، وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ) الجملة في محلّ نصب على الحال، و"اللحاف" بكسر اللام، بعدها حاء مهملة: كلُّ ثوب يُتَغَطّى به، والجمع لُحُف