(ومنها): أنه استُدِلّ بقوله: "قبل أن يمسّ" على أن الطلاق في طهر جامعها فيه حرام، وبه صرّح الجمهور، فلو طلّق هل يُجبر على الرجعة كما يُجبر عليها إذا طلّقها، وهي حائضٌ؟ طرده بعض المالكيّة فيهما، والمشهور عنهم إجباره في الحائض، دون الطاهر، وقالوا فيما إذا طلّقها، وهي حائض: يُجبر على الرجعة، فإن امتنع أدّبه الحاكم، فإن أصرّ ارتجع عليه، وهل يجوز له وطؤها بذلك؟ روايتان لهم، أصحّهما الجواز، وعن داود يجبر على الرجعة إذا طلّقها حائضًا، ولا يُجبر إذا طلّقها نفساء، وهو جمود. ذكره في "الفتح"(١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في قوله: "مره فليُراجعها" قال الشيخ ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يتعلّق به مسألة أصوليّة، وهي أن الأمر بالأمر بالشيء، هل هو أمرٌ بذلك الشيء، أم لا؟، فإنه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال لعمر:"مُره"، فأمره بان يأمره.
قال في "الفتح": هذه المسألة ذكرها ابن الحاجب، قال: الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا بذلك الشيء، لنا لو كان لكان مُر عبدك بكذا تعدّيًا، ولكان يُناقض قولك للعبد: لا تفعل. قالوا: فُهم ذلك من أمر اللَّه تعالى، ورسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، ومن قول الملك لوزيره: قل لفلان: افعل. قلنا: للعلم بأنه مبلّغٌ.
قال الحافظ: والحاصل أن النفي إنما هو حيث تجرّد الأمر، وأما إذا وُجدت قرينة تدلّ على أن الأمر الأول أمر المأمور الأول أن يبلّغ المأمور الثاني فلا، وينبغي أن ينزّل كلام الفريقين على هذا التفصيل، فيرتفع الخلاف. ومنهم من فرق بين الأمرين، فقال: إن كان الأمر الأول بحيث يسوغ له الحكم على المأمور الثاني، فهو آمرٌ له، وإلا فلا، وهذا قويّ، وهو مستفاد من الدليل الذي استدلّ به ابن الحاجب على النفي؛ لأنه لا يكون متعدّيًا إلا إذا أمر من لا حكم له عليه؛ لئلا يصير متصرّفًا في ملك غيره بغير إذنه، والشارع حاكمٌ على الآمر والمأمور، فوجد فيه سلطان التكليف على الفريقين، ومنه قوله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} الآية، فإن كلّ أحد يفهم منه أمر اللَّه لأهل بيته بالصلاة، ومثله حديث الباب، فإن عمر - رضي اللَّه عنه - إنما استفتى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عن ذلك ليمتثل ما يأمره به، ويُلزم ابنه به، فمن مثّل بهذا الحديث لهذه المسألة فهو غالطٌ؛ فإن القرينة واضحةٌ في أن عمر في هذه الكائنة كان مأمورًا بالتبليغ، ولهذا وقع في رواية أيوب، عن نافع:"فأمره أن يراجعها"، وفي رواية أنس ابن سيرين، ويونس بن جُبير، وطاوس، عن ابن عمر، وفي رواية الزهريّ، عن سالم:"فليُراجعها"، وفي رواية لمسلم: