"فراجعها عبد اللَّه كما أمره رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -"، وفي رواية أبي الزبير، عن ابن عمر:"ليراجعها"، وفي رواية الليث، عن نافع، عن ابن عمر:"فإن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أمرني بهذا".
وقد اقتضى كلام سليم الرازيّ في "التقريب" أنه يجب على الثاني الفعل جزمًا، وإنما الخلاف في تسميته آمرًا، فرجع الخلاف عنده لفظيًّا.
وقال الفخر الرازيّ في "المحصول": الحقّ أن اللَّه تعالى إذا قال لزيد: أوجبتُ على عمرو كذا، وقال لعمرو: كلّ ما أوجب عليك زيدٌ، فهو واجبٌ عليك، كان الأمر بالأمر أمرًا بالشيء انتهى.
قال الحافظ: وهذا يمكن أن يؤخذ منه التفرقة بين الأمر الصادر من رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ومن غيره، فمهما أمر الرسول - صلى اللَّه عليه وسلم - أحدًا أن يأمر به غيره وجب لأن اللَّه تعالى أوجب طاعته، وهو أوجب طاعة أميره، كما ثبت في "الصحيح": "من أطاعني، فقد أطاع اللَّه، ومن أطاع أميري فقد أطاعني"، وأما غيره ممن بعده فلا، وفيهم تظهر صورة التعدّي التي أشار إليها ابن الحاجب.
وقال ابن دقيق العيد: لا ينبغي أن يتردّد في اقتضاء ذلك الطلب، وإنما ينبغي أن ينظر في أن لوازم صيغة الأمر هل هي لوازم صيغة الأمر بالأمر أو لا؟ بمعنى أنهما يستويان في الدلالة على الطلب من وجه واحد أو لا. قال الحافظ: وهو حسنٌ، فإن أصل المسألة التي انبنى عليها هذا الخلاف حديث:"مروا أولادكم بالصلاة لسبع"، فإن الأولاد ليسوا بمكلّفين، فلا يتّجه عليهم الوجوب، وإنما الطلب متوجّه على أوليائهم أن يُعَلِّموهم ذلك، فهو مطلوب من الأولاد بهذه الطريق، وليس مساويًا للأمر الأول، وهذا إنما عرض من أمر خارج، وهو امتناع توجه الأمر على غير المكلّف، وهو بخلاف الفصّة التي في حديث الباب.
والحاصل أن الخطاب إذا تونجه لمكلّف أن يأمر مكلّفًا آخر بفعل شيء كان المكلّف الأول مبلّغًا محضًا، والثاني مأمور من قبل الشارع، وهذا كقوله لمالك بن الحويرث، وأصحابه:"ومروهم بصلاة كذا في حين كذا"، وقوله لرسول ابنته - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مرها، فلتصبر، ولتحتسب"، ونظائره كثيرة، فإذا أمر الأول الثاني بذلك، فلم يمتثله كان عاصيًا، وإن توجّه الخطاب من الشارع لمكلّف أن يأمر غير مكلّف، أو توجه الخطاب من غير الشارع بأمر من له عليه الأمران يأمر من لا أمر للأول عليه لم يكن الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بالشيء، فالصورة الأولى هي التي نشأ عنها الاختلاف، وهو أمر أولياء الصبيان أن يأمروا الصبيان، والصورة الثانية هي يتصوّر فيها أن يكون الأمر متعدّيًا بأمر