للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلا بعد اغتسالها. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة التاسعة): في قوله: "فإنها العدّة التي أمر اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- أن تطلّق لها النساء"، هذا إشارة إلى قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الآية. قال الجرجانيّ: اللام بمعنى "في"، كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} الآية، أي في أول الحشر، فقوله: {لِعِدَّتِهِنَّ} أي في الزمان الذي يصلح لعدّتهن، وحصل الإجماع على أن الطلاق في الحيض ممنوع، وفي الطهر مأذون فيه، ففيه دليل على أن القرء هو الطهر. ذكره القرطبيّ (١).

وقال الحافظ وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى-: استُدلّ به على أن الأقراء هي الأطهار؛ لأن اللَّه تعالى لم يأمر بطلاقهنّ في الحيض، بل حرّمه، وبهذا قال مالكٌ، والشافعيّ. وقال أبو حنيفة، وأحمد: هي الحيض. وأجاب بعضهم عن هذا الحديث بأن الإشارة في قوله: "فتلك العدّة" إلى الحيضة. وهو مردود؛ لأن الطلاق في الحيض غير مأمور به، بل هو محرّم، وإنما الإشارة إلى الحالة المذكورة، وهي حالة الطهر، أو إلى العدّة. وقال الذاهبون إلى أنها الحيض: من قال بالأطهار جعلها قرءين وبعض الثالث، وظاهر القرآن أنها ثلاثة، ونحن نشترط ثلاث حِيَض كوامل، فهي أقرب إلى موافقة القرآن، ولهذا صار الزهريّ مع قوله: إن الأقراء هي الأطهار إلى أنه لا تنقضي العدّة إلا بثلاثة أطهار كاملة، ولا تنقضي بطهرين وبعضِ الثالث، وهذا مذهب انفرد به، وقال غيره: لو طلّقها، وقد بقي من الطهر لحظة يسيرةٌ، حُسبت قُرءًا، ويكفيها طهران. وأجابوا عن هذا الاعتراض بأن الشيئين وبعض الثالث يُطلق عليها اسهل الجمع، قال اللَّه تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}، ومدّته شهران وبعض الثالث، وقال تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} والمراد: وبعض الثاني انتهى كلام وليّ الدين -رحمه اللَّه تعالى- (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول بأن الأقراء هي الأطهار هو الأرجح؛ لأن الأرجح في اللام في قوله: "لعدّتهنّ" كونها بمعنى: "في"، فظهر به أن وقت العدّة هو الطهر؛ لأنه الوقت الذي أمر اللَّه تطليق النساء فيه، وسيأتي تحقيق ذلك في محله، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٣٤١٨ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ, قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ الْقَاسِمِ, عَنْ مَالِكٍ, عَنْ نَافِعٍ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ, أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ, وَهِيَ حَائِضٌ, فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي اللَّه عنه -, رَسُولَ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا, ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا, حَتَّى تَطْهُرَ, ثُمَّ تَحِيضَ, ثُمَّ تَطْهُرَ, ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ,


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ١٥٢ - ١٥٣.
(٢) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٧/ ٩٣.