للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: "فقال: مَهْ" قال النوويّ: يحتمل أن يكون للكفّ والزجر عن هذا القول، أي لا تشكّ في وقوع الطلاق، واجزم بوقوعه. وقال القاضي: المراد بـ "مه" "ما"، فيكون استفهامًا، أي فما يكون إن لم أحتسب بها. ومعناه لا يكون إلا الاحتساب بها، فأُبدل من الألف هاء، كما قالوا في "مهما": إن أصلها "ما ما"، أي: أيّ شيء؟. انتهى (١).

وقال في "الفتح": أصله: "فما"، وهو استفهام فيه اكتفاء، أي فما يكون، إن لم تحُتَسَب. ويحتمل أن تكون الهاء أصليّة، وهي كلمة تُقال للزجر: أي كُفّ عن هذا الكلام، فإنه لا بدّ من وقوع الطلاق بذلك. قال ابن عبد البرّ: قول ابن عمر: "فمه" معناه: فأيّ شيء يكون إذا لم يعتدّ بها، إنكارًا لقول السائل: "أيعتدّ بها؟ "، فكأنه قال: وهل من ذلك بُدٌّ.

وقوله: "أرأيت إن عجز، واستحمق"، قال النوويّ: معناه أفيرتفع عنه الطلاق، وإن عجز، واستحمق؟ وهو استفهام إنكار، وتقديره: نعم تُحسَب، ولا يمتنع احتسابها لعجزه وحماقته. قال القاضي: أي إن عجز عن الرجعة، وفعل فعل الأحمق، والقائل لهذا الكلام هو ابن عمر، صاحب القصّة، وأعاد الضمير بلفظ الغيبة، وقد بينه بعد هذه في رواية أنس بن سيرين، قال: قلت: يعني لابن عمر: فاعتددت بتلك التطليقة التي طلَّقتَ، وهي حائض؟، قال: ما لي لا أعتدّ بها؟، وإن كنتُ عجزتُ، واستحمقتُ. وجاء في غير مسلم أن ابن عمر قال: أرأيت إن كان ابن عمر عجز، واستحمق، فما يمنعه أن يكون طلاقًا انتهى (٢).

وقال في "الفتح": أي إن عجز عن فرضٍ، فلم يُقمه، أو استحمق، فلم يأت به، أيكون ذلك عذرًا له؟.

وقال الخطّابيّ: في الكلام حذفٌ، أي أرأيت إن عجز، واستحمق أَيُسقِطُ عنه الطلاقَ حُمقُهُ، أو يُبطلُهُ عجزه؟، وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه. وقال الكرمانيّ: يحتمل أن تكون "إن" نافية بمعنى "ما"، أي لم يعجز ابن عمر، ولا استحمق؛ لأنه ليس بطفل، ولا مجنون، قال: وإن كانت الرواية بفتح ألف "أن" فمعناه أظهر، والتاء من "استحمق" مفتوحة. قاله ابن الخشّاب، وقال: المعنى فَعَل فعلاً يُصَيِّرُهُ أحمق عاجزًا، فيسقط عنه حكم الطلاق عجزه، أو حمقه، والسين والتاء فيه إشارةٌ إلى أنه تكلّف الحمق بما فعله من تطليق امرأته، وهي حائض. وقد وقع في بعض الأصول بضمّ التاء، مبنيًّا للمجهول، أي أن الناس استحمقوه بما فعل، وهو موجّهٌ. وقال المهلّب:


(١) "شرح مسلم" ١٠/ ٣٠٩.
(٢) "شرح مسلم" ١٠/ ٣٠٨ - ٣٠٩.