للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معنى قوله: "إن عجز، واستحمق" يعني عجز في المراجعة التي أُمر بها عن إيقاع الطلاق، أو فقد عقله، فلم تمكن منه الرجعة، أتبقى المرأة معلّقةً، لا ذات بعلٍ، ولا مطلّقة؟، وقد نهى اللَّه عن ذلك، فلا بُد أن تحَتَسِبَ بتلك التطليقة التي أوقعها على غير وجهها، كما أنه لو عجز عن فرض آخر للَّه، فلم يُقمه، واستحمق، فلم يأت به ما كان يُعذر بذلك، ويسقط عنه. انتهى (١).

والحديث متّفقٌ عليه، وقد سبق تمام شرحه، وبيان مسائله في -١/ ٣٣٩٠ - ، فلم يبق إلا بيان ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، فلنبيّنه، ولنقُل:

[مسألة]: قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها، فلو طلّقها أثم، ووقع طلاقه، ويؤمر بالرجعة؛ لحديث ابن عمر المذكور في الباب. وشذّ بعض أهل الظاهر، فقال: لا يقع طلاقه؛ لأنه غير مأذون له فيه، فأشبه طلاق الأجنبيّة، والصواب الأول، وبه قال العلماء كافّةً, ودليلهم أمره بمراجعتها، ولو لم يقع لم تكن رجعة.

[فإن قيل]: المراد بالرجعة الرجعة اللغوية، وهي الرّدّ إلى حالها الأول، لا أنه تحسب عليه طلقةٌ.

[قلنا]: هذا غلطٌ لوجهين: [أحدهما]: أن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعيّة يُقدّم على حمله على الحقيقة اللغويّة، كما تقرّر في أصول الفقه. [الثاني]: أن ابن عمر صرّح في روايات مسلم وغيره بأنه حسبها عليه طلقة. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قال النوويّ: شذّ بعض أهل الظاهر، فقال: إذا طلّق الحائض لم يقع الطلاق لأنه غير مأذون فيه، فأشبه طلاق الأجنبيّة. وحكاه الخطّابيّ عن الخوارج والروافض. وقال ابن عبد البرّ: لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال -يعني الآن. قال: وروي مثله عن بعض التابعين، وهو شذوذ، وحكاه ابن العربيّ وغيره عن ابن عُليّة -يعني إبراهيم بن إسماعيل ابن عليّة الذي قال الشافعيّ في حقّه: إبراهيم ضالٌّ، جلس في باب الضوالّ يُضلّ الناس. وكان بمصر، وله مسائل ينفرد بها، وكان من فقهاء المعتزلة. وقد غلط من ظنّ أن المنقول عنه المسائل الشاذّة أبوه، وحاشاه، فإنه من كبار أهل السنّة. وكان النوويّ أراد ببعض الظاهريّة ابنَ حزم، فإنه ممن جرّد القول بذلك، وانتصر له، وبالغ، وأجاب عن أمر ابن عمر بالمراجعة بأن ابن عمر كان اجتنبها، فأمره أن يُعيدها إليه على ما كانت عليه من المعاشرة، فحمل المراجعة على


(١) "فتح" ١٠/ ٤٤٣.
(٢) "شرح مسلم" ١٠/ ٣٠٢ - ٣٠٣.