للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بقوله: "باب من أجاز طلاق الثلاث؛ لقول اللَّه تعالى: "الطلاق مرّتان، فإمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان".

فقال في "الفتح": وفي الترجمة إشارة إلى أن من السلف من لم يُجز وقوع الطلاق الثلاث، فيحتمل أن يكون مراده بالمنع من كره البينونة الكبرى، وهي بإيقاع الثلاث أعمّ من أن تكون مجموعة، أو مفرّقة، ويمكن أن يُتَمَسَّكَ له بحديث: "أبغض الحلال إلى اللَّه الطلاق" (١)، وقد تقدّم في أوائل الطلاق. وأخرج سعيد بن منصور، عن أنس: "أن عمر كان إذا أُتي برجل طلّق امرأته ثلاثًا أوجع ظهره"، وسنده صحيح. ويحتمل أن يكون مراده بعدم الجواز من قال: لا يقع الطلاق إذا أوقعها مجموعة للنهي عنه، وهو قول الشيعة، وبعض أهل الظاهر، وطرد بعضهم ذلك في كلّ طلاق منهيّ، كطلاق الحائض، وهو شذوذٌ. وذهب كثير منهم إلى وقوعه مع منع جوازه، واحتجّ له بعضهم بحديث محمود بن لبيد … يعني الحديث المذكور في الباب الماضي، ثم قال بعد أن ذكر أن فيه انقطاعًا: وعلى تقدير صحة حديث محمود، فليس فيه بيان أنه هل أمضى عليه الثلاث مع إنكاره عليه إيقاعها مجموعة، أو لا؟، فأقلّ أحواله أن يدلّ على تحريم ذلك، وإن لزم، وقد تقدّم في

الكلام على حديث ابن عمر في طلاق الحائض: أنه قال لمن طلّق ثلاثًا مجموعة: "عصيت ربّك، وبانت منك امرأتك"، وله ألفاظ أخرى، نحو هذه عند عبد الرزاق وغيره. وأخرج أبو داود بسند صحيح من طريق مجاهد، قال: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجلٌ، فقال: إنه طلّق امرأته ثلاثًا، فسكت حتى ظننت أنه سيردّها إليه، فقال: ينطلق أحدكم، فيركب الأحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس، يا ابن عبّاس، إن اللَّه قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، وإنك لم تتّق اللَّه، فلا أجد لك مخرجًا، عصيت ربّك، وبانت منك امرأتك". وأخرج أبو داود له متابعات، عن ابن عبّاس بنحوه.

ومن القائلين بالتحريم واللزوم من قال: إذا طلّق ثلاثًا مجموعة وقعت واحدةً، وهو قول محمد بن إسحاق، صاحب "المغازي"، واحتجّ بما رواه عن داود الحُصَين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: طلّق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنًا شديدًا، فسأله النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - "كيف طلّقتها؟ " قال: ثلاثًا في مجلس واحد، فقال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنما تلك واحدة، فارتَجِعْهَا إن شئت"، فارتَجًعَها. وأخرجه أحمد، وأبو يعلى، وصححه من طريق محمد بن إسحاق.

وهذا الحديث نصّ في المسألة، لا يقبل التأويل الذي في غيره من الروايات الآتي ذكرها.


(١) تقدّم أنه حديث ضعيف.