فنقول في الجواب عنه: إن هذه الرواية التي فيها "البتّة" ضعيفة، فقد أخرجه أبو داود، والترمذيّ، من طريق جرير بن حازم، عن الزبير بن سعيد، عن عبد اللَّه بن عليّ بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده، أنه طلق امرأته البتة، فأتى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال:"ما أردت؟ "، قال: واحدة، قال:"آللَّه؟ "، قال: آللَّه، قال:"هو على ما أردت".
قال الترمذيّ بعد أن أخرجه: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسألت محمدًا -يعني البخاريّ- عن هذا الحديث، فقال فيه اضطراب انتهى. وفي إسناده الزبير بن سعيد الهاشميّ، فقد ضعّفه غير واحد. وقال عبد الحقّ الإشبيليّ في سنده: كلهم ضعيف، والزبير أضعفهم.
[الثالث]: أن أقوى ما استند إليه الجمهور هو دعوى الإجماع، كما ادعاه الحافظ، فيما سبق من كلامه، وهي دعوى غير صحيحة، فقد تقدّم في كلامه السابق ما يردّ عليه، حيث كان الخلاف بين الصحابة - رضي اللَّه عنهم - والتابعين قائمًا مشهورًا، كما ذكر أنه منقول عن عليّ، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وأصحاب ابن عباس، كعطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار، وجماعة من مشايخ قرطبة، فأين الإجماع المزعوم؟ حتى يكون حجة ملزمة.
قال العلامة ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- في "إعلام الموقّعين": وهذا خليفة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، والصحابة كلهم معه في عصره، وثلاث سنين من عصر عمر - رضي اللَّه عنه - على هذا المذهب، فلو عدّهم العادّ بأسمائهم واحدًا بعد واحد لوجد أنهم كانوا يرون الثلاث واحدة، إما بفتوى، وإما بإقرار عليها، ولو فرض فيهم من لم يكن يرى ذلك، فإنه لم يكن منكرًا للفتوى به، بل كانوا ما بين مُفتٍ، ومُقرّ بفتيا، وساكت غير منكر، وهذا حال كلّ صحابيّ من عهد الصدّيق - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى ثلاث سنين من خلافة عمر، وهم يزيدون على الألف قطعًا، كما ذكر يونس بن بُكير، عن ابن إسحاق، وكلّ صحابيّ من لدن خلافة الصدّيق إلى ثلاث سنين من خلافة عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -، كان على أن الثلاث واحدة، فتوى، أو إقرار، أو سكوت، ولهذا ادّعى بعض أهل العلم أن هذا الإجماع قديم، ولم تجتمع الأمة -وللَّه الحمد- على خلافه، بل لم يزل فيهم من يُفتي به قرنًا بعد قرن، وإلى يومنا هذا، فأفتى به حبر الأمة عبد اللَّه بن عباس، وأفتى أيضًا بالثلاث، أفتى بهذا وبهذا، وأفتى بأنها واحدة الزبير بن العوّام، وعبد الرحمن بن عوف، حكاه عنهما ابن وضّاح، وعن عليّ، وابن مسعود روايتان، كما عن ابن عباس. وأما التابعون، فأفتى به عكرمة، وأفتى به طاوس. وأما تابعوا التابعين، فأفتى به محمد بن