للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إسحاق، حكاه الإمام أحمد، وغيره عنه، وأفتى به خلاس بن عمرو، والحارث العكليّ. وأما أتباع تابعي التابعين، فأفتى به داود بن عليّ، وأكثر أصحابه، حكاه عنهم ابن المغلس، وابن حزم، وغيرهما، وأفتى به بعض أصحاب مالك، حكاه التلمسانيّ في "شرح التفريع" لابن حلاب قولاً لبعض المالكيّة، وأفتى به بعض الحنفيّة، حكاه أبو بكر الرازيّ عن محمد بن مقاتل، وأفتى به بعض أصحاب أحمد، حكاه شيخ الإسلام ابن تيميّة عنه، قال: وكان الجد يفتي به أحيانًا انتهى كلام ابن القيّم في "إعلام الموقعين" ٣/ ٤٥ - ٤٧.

وقال في "زاد المعاد" في معرض الردّ على أدلّة الجمهور: وأما تلك المسالك التي سلكتموها في حديث أبي الصهباء، فلا يصحّ شيء منها.

أما المسلك الأول، وهو انفراد مسلم بروايته، وإعراض البخاريّ عنه، فتلك شَكَاةٌ ظاهر عنه عارها، وما ضرّ ذلك الحديث انفراد مسلم به شيئًا، ثم هل تقبلون أنتم، أو أحد كمثل هذا في كلّ حديث ينفرد به مسلم عن البخاريّ، وهل قال البخاريّ قطّ: إن كلّ حديث لم أدخله في كتابي فهو باطلٌ، أو ليس بحجة، أو ضعيفٌ، وكم قد احتجّ البخاريّ بأحاديث خارج "الصحيح"، ليس لها ذكرٌ في "صحيحه"، وكم صحّح من حديث خارج عن "صحيحه"، فأما مخالفة سائر الروايات له عن ابن عباس، فلا ريب أن عن ابن عباس روايتين صحيحتين بلا شكّ: إحداهما توافق هذا الحديث، والأخرى تخالفه، فان أسقطنا رواية برواية سلم الحديث على أنه بحمد اللَّه سالم، ولو اتفقت الروايات عنه على مخالفته، فله أسوة أمثاله، وليس بأول حديث خالفه راويه، فنسألكم هل الأخذ بما رواه الصحابيّ عندكم، أو بما رآه؟، فإن قلتم: الأخذ بروايته، وهو قول جمهوركم، بل جمهور الأمة على هذا، كفيتمونا مؤونة الجواب. وإن قلتم: الأخذ برأيه، أريناكم من تناقضكم ما لا حيلة لكم في دفعه، ولا سيّما عن ابن عبّاس؛ فإنه روى حديث بَرِيرة، وتخميرها، ولم يكن بيعها طلاقًا، ورأى خلافه، وأن بيع الأمة طلاقها، فأخذتم، وأصبتم بروايته، وتركتم رأيه، فهلّا فعلتم ذلك فيما نحن فيه، وقلتم: الرواية معصومة، وقول الصحابيّ غير معصوم، ومخالفته لما رواه يحتمل احتمالات عديدة، من نسيان، أو تأويل، أو اعتقاد مُعارض راجح في ظنّه، أو اعتقاد أنه منسوخ، أو مخصوص، أو غير ذلك من الاحتمالات، فكيف يسوغ ترك روايته مع قيام هذه الاحتمالات؟ وهل هذا إلا ترك معلوم لمظنون، بل مجهول؟. قالوا: وقد روى أبو هريرة - رضي اللَّه عنه - حديثَ التسبيع من ولوغ الكلب، وأفتى بخلافه، فأخذتم بروايته، وتركتم فتواه. ولو تتبّعنا ما أخذتم فيه برواية الصحابيّ، دون فتواه لطال.