للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثلاثًا، أيحلّها له رجلٌ؟ قال: من يُخادع اللَّه يَخدعه. وهذا قول الحسن، والنخعيّ، والشعبيّ، وقتادة، وبكر المزنيّ، والليث، وما لك، والثوريّ، وإسحاق.

وقال أبو حنيفة، والشافعيّ: العقد صحيح. وذكر القاضي في صحّته وجهًا مثل قولهما؛ لأنه خلا عن شرط يفسده، فأشبه ما لو نوى طلاقها لغير الإحلال، أو ما لو نوت المرأة ذلك، ولأن العقد إنما يبطل بما شُرط، لا بما قُصد بدليل ما لو اشترى عبدًا بشرط أن يبيعه، لم يصحّ، ولو ثوى ذلك، لم يبطل، ولأنه روي عن عمر - صلى اللَّه عليه وسلم - ما يدلّ على إجازته، فروى أبو حفص بإسناده، عن محمد بن سيرين، قال: قدم مكة رجلٌ، ومعه إخوةٌ له صغارٌ، وعليه إزارٌ، من بين يديه رقعة، ومن خلفه رقعة، فسأل عمر، فلم يُعطه شيئًا، فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل، من قريش، وبين امرأته، فطلّقها، فقال لها: هل لك تُعطي ذا الرقعتين شيئًا، ويُحلّك لي؟ قالت: نعم إن شئت، فأخبره بذلك، قال: نعم، فتزوّجها، ودخل بها، فلما أصبحت أدخلت إخوته الدارَ، فجاء القرشيّ يحوم حول الدار، ويقول: يا ويله، غُلبت على امرأتي، فأتى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، غُلبت على امرأتي، قال: من غلَبك؟ قال: ذو الرقعتين، قال: أرسلوا إليه، فلما جاء الرسول، قالت له المرأة: كيف موضعك من قومك؟ قال: ليس بموضعي بأس، قالت: إن أمير المؤمنين يقول لك: طَلِّق امرأتك، فقل: لا، واللَّه لا أطلّقها، فإنه لا يُكرهك، وألبسته حلّةً، فلما رآه عمر من بعيد قال: الحمد للَّه الذي رزق ذا الرقعتين، فدخل عليه، فقال: أتطلّق امرأتك؟ قال: لا، واللَّه لا أطلّقها، قال عمر: لو طلّقتها لأوجعت رأسك بالسوط. ورواه سعيد، عن هشيم، عن يونس بن عُبيد، عن ابن سيرين نحوًا من هذا، وقال من أهل المدينة، وهذا قد تقدّم فيه الشرط على العقد، ولم ير به عمر بأسًا (١).

ولنا قول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لعن اللَّه المحلّل، والمحلّل له"، وقول من سمّينا من الصحابة، ولا مخالف لهم، فيكون إجماعًا، ولأنه قصد به التحليل، فلم يصحّ، كما لو شرطه. أما حديث ذي الرقعتين، فقال أحمد: ليس له إسناده. يعني أن ابن سيرين لم يذكر إسناده إلى عمر. وقال أبو عبيد: هو مرسلٌ، فأين هو من الذين سمعوه يَخْطُبُ به على المنبر: "لا أوتى بمحلّل، ولا محلّل له، إلا رجمتهما". ولأنه ليس فيه أن ذا الرقعتين قصد التحليل، ولا نواه، وإذا كان كذلك لم يتناول محلّ النزاع انتهى كلام ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى- (٢).


(١) رواه سعيد بن منصور في "سننه" ٢/ ٥٠ - ٥١. وعبد الرزاق في "مصنفه" ٦/ ٢٦٧.
(٢) "المغني" ١٠/ ٤٩ - ٥٣.