للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المبارك، والشافعيّ، وسواء قال: زوّجتكها إلى أن تطأها، أو شرط أنه إذا أحلّها، فلا نكاح بينهما، أو أنه إذا أحلّها للأول طلّقها. وحكي عن أبي حنيفة أنه يصحّ النكاح، ويبطل الشرط. وقال الشافعيّ في الصورتين الأوليين: لا يصحّ، وفي الثانية على قولين.

ولنا ما روي عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أنه قال: "لعن اللَّه المحلّل، والمحلّل له". رواه أبو داود، وابن ماجه، والترمذيّ، وقال: حديث حسنٌ صحيحٌ. والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، منهم: عمر بن الخطّاب، وعثمان، وعبد اللَّه بن عمر. وهو قول الفقهاء من التابعين. وروي ذلك عن عليّ، وابن مسعود، وابن عباس. وقال ابن مسعود: المحلّل والمحلّل له ملعونون على لسان محمد - صلى اللَّه عليه وسلم -. وروى ابن ماجه عن عقبة بن عامر - رضي اللَّه عنه - أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ " قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: هو المحلّل، لعن اللَّه المحلّل، والمحلّل له" (١). وروى الأثرم بإسناده عن قبيصة بن جابر، قال: سمعت عمر، وهو يخطب الناس، وهو يقول: "واللَّه لا أوتى بمحلّ، ولا محلّل له إلا رجمتهما" (٢). ولأنه نكاح إلى مدّة، أو فيه ما يمنع بقاءه، فأشبه نكاح المتعة.

قال: فإن شرط عليه التحليل قبل العقد، ولم يذكره في العقد، ونواه في العقد، أو نوى التحليل من غير شرط، فالنكاح باطلٌ أيضًا. قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن الرجل يتزوّج المرأة، وفي نفسه أن يُحلّلها لزوجها الأول، ولم تعلم المرأة بذلك؟ قال: هو محلّل، إذا أراد بذلك الإحلال، فهو ملعون، وهذا ظاهر قول الصحابة - رضي اللَّه عنهم -. وروى نافع، عن ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - أن رجلاً قال له: امرأة تزوّجتها، أحلّها لزوجها لم يأمرني، ولم يعلم؟ قال: لا، إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكها، وإن كرهتها فارقها، قال: وإن كنّا نعُدّه على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - سفاحًا، وقال: لا يزالان زانيين، وإن مكثا عشرين سنة، إذا علم أنه يريد أن يُحلّها (٣). وهذا قول عثمان بن عفّان - رضي اللَّه عنه -. وجاء رجل إلى ابن عباس، فقال له: إن عمي طلّق امرأته


(١) أخرجه ابن ماجه رقم (١٩٣٦) والحاكم ٢/ ١٩٩، والبيهقيّ ٧/ ٢٥٨، وسنده حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبيّ. وفي الباب عن ابن عباس عند ابن ماجه (١٩٣٤) وفي سنده زمعة بن صالح، وهو ضعيف. وعن جابر عند الترمذيّ (١١١٩) وفي سنده مجالد بن سعيد، وهو ضعيف، لكن يشهد لهذين الحديثين حديثُ الباب، وحديثُ عقبة، فيصحّان. واللَّه تعالى أعلم.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "مصنّفه" بسند رجال ثقات بلفظ: "لا أوتى بمحلّل، ولا بمحلّلة إلا رجمتهما".
(٣) راوه الحاكم ٢/ ١٩٩ بنحوه، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبيّ.