للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَبَعْضُهُمْ عِرْفَانَهُ بِالأَخْذِ عَنْ … وَاستُعْمِلَا إِجَازَةً فِي ذَا الزَّمَنْ

وإلى المسألة الثانية أشار بقوله:

وَجَازَ أَنْ يُبْدَلَ بِـ "النَّبِيِّ""رَسُولُهُ" وَالْعَكْسُ فِي الْقَوِيِّ

(قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى، تجَاوَزَ عَنْ أُمَّتي، كُلَّ شَيْءٍ، حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا) وفي نسخة: "نفسها" بالإفراد. قاله في "الفتح": بالنصب للأكثر، وبالرفع لبعضهم. وقال النوويّ في "شرح مسلم": ضبط العلماء "أنفسها" بالنصب، والرفع، وهما ظاهران، إلا أن النصب أظهر، وأشهر. قال القاضي عياض: "أنفسها" بالنصب، ويدلّ عليه قوله: "إن أحدنا يُحدّث نفسه … "، قال: قال الطحاويّ: وأهل اللغة يقولون: "أنفسُها" بالرفع، يريدون بغير اختيارها، كقوله تعالى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} واللَّه أعلم (١). وقال السنديّ: قوله: "حدّثت به أنفسها" يحتمل الرفع على الفاعليّة، والنصب على المفعوليّة، والثاني أظهر معنىً، والأول يُجعل كنايةً عما لم تحدّث به ألسنتهم انتهى (٢).

(مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ) بحذف إحدى التاءين، وأصله "تتكلّم"، فحُذفت منه إحدى التاءين، كقوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى}، و {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} (أَوْ تَعْمَلْ) قال الكرمانيّ: فيه أن الوجود الذهنيّ لا أثر له، وإنما الاعتبار بالوجود القوليّ في القوليّات، والعمليّ في العمليّات، وقد احتجّ به من لا يرى المؤاخذة بما وقع في النفس، ولو عزم عليه. وانفصل من قال: يؤاخذ بالعزم بأنه نوع من العمل -يعني عمل القلب. قال الحافظ: وظاهر الحديث أن المراد بالعمل عمل الجوارح؛ لأن المفهوم من لفظ: "ما لم يعمل" يُشعر بأن كلّ شيء في الصدر لا يؤاخذ به، سواء توطّن به، أم لم يتوطّن.

وقال السنديّ: وقوله: "ما لم تكلّم به، أو تعمل" صريحٌ في أنه مغفور ما دام لم يتعلّق به قولٌ، أو فعل، فقولهم: إذا صار عزمًا يؤاخذ به مخالفٌ لذلك قطعًا. ثم حاصل الحديث أن العبد لا يؤاخذ بحديث النفس قبل التكلّم به، والعمل به، وهذا لا ينافي ثبوت الثواب على حديث النفس أصلاً، فمن قال: إنه معارض بحديث: "من همّ بحسنة، فلم يعملها، كُتبت له حسنة"، فقد وَهِم.

بقي الكلام في اعتقاد الكفر، ونحوه. والجواب أنه ليس من حديث النفس، بل هو مندرجٌ في العمل، وعملُ كلّ شيء على حسبه، ونقول: الكلام فيما يتعلّق به تكلّمٌ، أو عملٌ، بقرينة "ما لم يتكلّم الخ"، وهذا ليس منهما، وإنما هو من أفعال القلب،


(١) "شرح مسلم" ٢/ ١٤٧. "كتاب الإيمان".
(٢) "شرح السنديّ" ٦/ ١٥٧.