للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مصدريّة، أي بأن تعال، وقال السنديّ: "أن" تفسيريّة، يريد أن يدعوه إلى المرقة (وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - إِلَى عَائِشَةَ، أَيْ وَهَذِهِ) أي ادعني وهذه، وإلا لا أقبل دعوتك، ولعلّ الوقت ما كان يُساعد الانفراد بذلك، فكره انفراده عنها بذلك، فعلّق قبول الدّعوة بالاجتماع، فإن رضيَ الداعي بذلك دعاهما، وإلا تركهما، ومقصود المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- أن الإشارة المفهومة تُستعمل في المفاسد، والطلاقُ من جملتها، فيصحّ استعمالها فيه. قاله السنديّ (١). (فَأَؤمَأَ إِلَيْهِ الآخَرُ) يعني الفارسيّ (هَكَذَا بيَدِهِ، أَنْ لَا) "أن" مخفّفةٌ من الثيقلة، ومدخول "لا" أي أنها لا تأتي معك (مَرَّتَينِ، أَوْ ثَلاثًا) أي قال هذا القول مرّتين، أو ثلاث مرّات. وفي رواية مسلم المذكورة: "فقال: وهذه، لعائشة، فقال: لا، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا"، فعاد يدعوه، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "وهذه قال: لا، قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا" ثم عاد يدعوه، فقال رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وسلم -: "وهذه قال: نعم في الثالثة، فقاما يتدافعان، حتى أتيا منزله".

قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "فقاما يتدافعان" معناه: يمشي كلّ واحد منهما في إثر صاحبه. قالوا: ولعلّ الفارسيّ إنما لم يدع عائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - أوّلَا لكون الطعام كان قليلاً، فأراد توفيره على رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -. انتهى كلام النوويّ (٢).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: وامتناع الفارسيّ من الإذن لعائشة - رضي اللَّه تعالى عنها - أولى ما قيل فيه: أنه إنما كان صنع من الطعام ما يكفي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - وحده؛ للذي رأى عليه من الجوع، فكانه رأى أن مشاركة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في ذلك يُجحف بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. وامتناع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من إجابة الفارسيّ عند امتناعه من إذن عائشة إنما كان -واللَّه أعلم- لأن عائشة كان بها من الجوع مثل الذي كان بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فكره النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن يستأثر عليها بالأكل دونها، وهذا تقتضيه مكارم الأخلاق، وخصوصًا مع أهل بيت الرجل، ولذلك قال بعض الشعراء (٣):

وَشِبْعُ الْفَتَى لُؤْمٌ إِذَا جَاعَ صَاحِبُهْ

وقد نبه مالكٌ -رحمه اللَّه تعالى- على هذا المعنى حين سُئل عن الرجل يدعو الرجل يُكرمه؟ قال: إذا أراد فليبعث بذلك إليه يأكله مع أهله انتهى كلام القرطبيّ (٤). واللَّه


(١) "شرح السندي" ٦/ ١٥٨.
(٢) "شرح مسلم" ١٣/ ٢١٠.
(٣) هو بشر بن المغيرة بن المهلّب بن أبي صُفْرة، وهو عجز بيتٍ من الطويل، وصدره: وَكُلّهُمُ قَدْ نَالَ شِبْعًا لِبَطْنِهِ
(٤) "المفهم" ٥/ ٣٥٤. "كتاب الأطعمة".