للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الطلاق، فإنه لم يرد إلا للطلاق. وقد رجّح جاعة القديم، كالطبريّ في "العدّة"، والمحامليّ، وغيرهما، وهو قول الحنفيّة، واختاره القاضي عبد الوهّاب من المالكيّة، وحكى الدارميّ عن ابن خير أن من لم يعرف إلا الطلاق، فهو صريحٌ في حقّه فقط، وهو تفصيلٌ قويّ، ونحوه للرويانيّ، فإنه قال: لو قال عربيّ: فارقتك، ولم يعرف أنها صريحة لا يكون صريحًا في حقّه. واتفقوا على أن لفظ الطلاق، وما تصرّف منه صريح، لكن أخرج أبو عبيد في "غريب الحديث" من طريق عبد اللَّه بن شهاب الخولانيّ، عن عمر - صلى اللَّه عليه وسلم -، أنه رُفع إليه رجلٌ قالت له امرأته: شبّهني، فقال: كأنّك ظبيةٌ، قالت: لا، قال: كأنك حمامةٌ، قالت: لا أرضى حتى تقول: أنت خليّةٌ طالقٌ، فقالها، فقال له عمر: خذ بيدها، فهي امرأتك. قال أبو عبيد: قوله: "خليّةٌ طالقٌ"، أي ناقةٌ كانت معقولةً، ثم أطلقت من عقالها، وخُلّي عنها، فتُسمّى خليّةً؛ لأنها خُلّيت عن العقال، وطالقٌ لأنها طلّقت منه، فأراد الرجل أنها تشبه الناقة، ولم يقصد الطلاق بمعنى الفراق أصلاً، فأسقط عنه عمرُ الطلاقَ. قال أبو عُبيد: وهذا أصلٌ لكلّ من تكلّم بشيء من ألفاظ الطلاق، ولم يرد الفراق، بل أراد غيره، فالقول قوله فيه فيما بينه وبين اللَّه تعالى انتهى.

وإلى هذا ذهب الجمهور، لكن المشكل من قصّة عمر كونه رُفع إليه، وهو حاكم، فإن كان أجراه مجرى الفتيا، ولم يكن هناك حكم، فيوافق، وإلا فهو من النوادر. وقد نقل الخطّابيّ الإجماع على خلافه، لكن أثبت غيره الخلاف، وعزاه لداود، وفي البويطيّ ما يقتضيه. وحكاه الرويانيّ، ولكن أوله الجمهور، وشرطوا قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق ليخرج العجميّ مثلاً، إذا لقّن كلمة الطلاق، فقالها، وهو لا يعرف معناها، أو العربيّ بالعكس، وشرطوا مع النطق بلفظ الطلاق تعمّد ذلك؛ احترازًا عما سبق به اللسان، والاختيار؛ ليخرج المكره، لكن إن أكره فقالها مع القصد إلى الطلاق وقع في الأصحّ انتهى ما في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الجمهور من أن من تكلم بألفاظ الطلاق، من غير إرادة الفراق، بل لمعنى آخر لا يلزمه الطلاق هو الحقّ، كما في قصّة عمر - رضي اللَّه عنه -؛ لحديث النيّة المذكور في الباب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

٣٤٦٤ - (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ, قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ, وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ, قِرَاءَةً عَلَيْهِ, وَأَنَا أَسْمَعُ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ, قَالَ: أَخْبَرَنِي


(١) "فتح" ١٠/ ٤٦٤ - ٤٦٥ "كتاب الطلاق"