مَالِكٌ, عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ, عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ, عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ, عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, - رضي اللَّه عنه -, وَفِي حَدِيثِ الْحَارِثِ, أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ, يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ, وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى, فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ, فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ, وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا, أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا, فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الحديث متّفقٌ عليه، وقد تقدّم للمصنّف - رحمه اللَّه تعالى - سندًا ومتنًا في "الطهارة" -٦٠/ ٧٥ - "باب النيّة في الوضوء" وتقدم شرحه هناك مستوفًى، وذكرت فيه ثمانيةً وأربعين مسألةً، وأذكر هنا ما ترجم له المصنّف، وهو بيان كنايات الطلاق، فأقول:
(مسألة): في اختلاف أهل العلم في حكم كنايات الطلاق:
قال الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى-: إذا قال لها: أنت خليّةٌ، أو أنت بريّةٌ، أو أنت بائنٌ، أو حبلُكِ على غاربكِ، أو الحقي بأهلكِ، فهو عندي ثلاثٌ، ولكنّي أكره أن أُفتي به، سواء دخل بها، أو لم يدخل.
قال ابن قدامة: أكثر الروايات عن أبي عبد اللَّه كراهية الفُتْيا في هذه الكنايات، مع ميله إلى أنها ثلاث. وحكى أبو موسى في "الإرشاد" عنه روايتين: إحداهما أنها ثلاث. والثانية: يُرجع إلى ما نواه، اختارها أبو الخطّاب، وهو مذهب الشافعيّ، قال: يُرجع إلى ما نواه، فإن لم ينو شيئًا وقعت واحدةً، ونحوه قول النخعيّ، إلا أنه قال: تقع طلقةٌ بائنةٌ؛ لأن لفظه يقتضي البينونة، ولا يقتضي عددًا. وروى حنبلٌ عن أحمد ما يدلّ على هذا.
وقال الثوريّ، وأصحاب الرأي: إن نوى ثلاثًا، فثلاثٌ، وإن نوى اثنتين، أو واحدة وقعت واحدةً، ولا يقع اثنتان.
ثم قال ابن قُدامة: ووجه أنها ثلاثٌ أنه قول أصحاب رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فروي عن عليّ، وابن عمر، وزيد بن ثابت أنها ثلاث. قال أحمد في الخليّة، والبريّة، والبتّة: قول عليّ، وابن عمر قول صحيح ثلاثًا. وقال عليّ، والحسن، والزهريّ في البائن: إنها ثلاث. وروى النجّاد بإسناده، عن نافع: أن رجلاً جاء إلى عاصم، وابن الزبير، فقال: إن ظِئري هذا طلّق امرأته البتّة قبل أن يدخل بها، فهل تجدان رخصةً؟ فقالا: لا، ولكنّا تركنا ابن عبّاس، وأبا هريرة عند عائشة، فسلهم، ثم ارجع إلينا، فأَخبِرنا، فسألهم، فقال أبو هريرة: لا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره. وقال ابن عبّاس: هي ثلاث. وذكر عن عائشة متابعتهما. وروى النجّاد بإسناده أن عمر - رضي اللَّه عنه - جعل البتّة واحدة، ثم جعلها بعدُ ثلاث تطليقات. وهذه أقوال علماء الصحابة، ولم يُعرف لهم