للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": وحاول بعض الحنفيّة ترجيح رواية من قال: كان حرًّا على رواية من قال: كان عبدًا، فقال: الرقّ تعقبه الحرّية بلا عكس، وهو كما قال، لكن محلّ طريق الجمع إذا تساوت الروايات في القوّة، أما مع التفرّد في مقابلة الاجتماع، فتكون الرواية المنفردة شاذّةً، والشاذّ مردود، ولهذا لم يَعتبر الجمهور طريق الجمع بين الروايتين، مع قولهم: إنه لا يُصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع، والذي يتحصّل من كلام محقّقيهم، وقد أكثر منه الشافعيّ، ومن تبعه أن محلّ الجمع إذا لم يظهر الغلط في إحدى الروايتين، ومنهم من شرط التساوي في القوّة.

قال ابن بطّال: أجمع العلماء أن الأمة إذا عَتَقَت تحت عبد فإن لها الخيار، والمعنى فيه ظاهرٌ؛ لأن العبد غير مكافىء للحرّة في أكثر الأحكام، فإذا عَتَقت ثبت لها الخيار من البقاء في عصمته، أو المفارقة؛ لأنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الاختيار. واحتجّ من قال: إن لها الخيار، ولو كانت تحت حرّ بأنها عند التزويج لم يكن لها رأيٌ؛ لاتفاقهم على أن لمولاها أن يزوّجها بغير رضاها، فإذا عتقت تجدّد لها حالٌ لم يكن لها قبل ذلك.

وعارضهم الآخرون بأن ذلك لو كان مؤثّرًا لثبت الخيار للبكر إذا زوّجها أبوها، ثم بلغت رشيدةً، وليس كذلك، فكذلك الأمة تحت الحرّ، فإنه لم يحدُث لها بالعتق حالٌ ترتفع به عن الحرّ، فكانت كالكتابيّة تُسلم تحت المسلم انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر من الأدلّة أن الأرجح القول الأول، وهو أن خيار الأمة إذا أُعتقت إنما هو إذا كانت تحت عبد، لا تحت حرّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم هل الخيار فسخٌ، أم طلاقٌ؟:

قال ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: وفرقة الخيار فسخٌ، لا ينقص بها عدد الطلاق. نصّ عليه أحمد، ولا أعلم فيه خلافًا. قيل لأحمد: لم لا يكون طلاقًا؟ قال: لأن الطلاق ما تَكلّم به الرجل؛ ولأن الفرقة لاختيار المرأة، فكانت فسخًا، كالفسخ لعُنّته، أو عَتَهِهِ انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قوله: ولا أعلم فيه خلافًا. فيه نظر، فإن الخلاف ثابت، قال في "الفتح": واختُلف في التي تختار الفراق، هل يكون ذلك طلاقًا، أو فسخًا؟، فقال مالكٌ، والأوزاعيّ، والليث: تكون طلقة بائنة، وثبت مثله عن الحسن،


(١) "فتح" ١٠/ ٥١١ - ٥١٢. "كتاب الطلاق".
(٢) "المغني" ١٠/ ٧٠.