للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للمسلمين، ويدخل فيمن أعتق عتقُ المسلم للمسلم، وللكافر، وبالعكس ثبوت الولاء للمعتق. قاله في "الفتح" (١).

وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "إنما الولاء لمن أعتق" هذا حصرٌ للولاء على من باشر العتق بنفسه، من كان من رجلٍ، أو امرأة، من يصحّ منه العتق، ويستقلّ بتنفيذه، وقوّة هذا الكلام قوّة النفي والإيجاب، فكأنه قال: لا ولاء إلا لمن أعتق، وإياه عنى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بقوله: "شرط اللَّه أوثق" في أصحّ الأقوال، وأحسنها. وقال الداوديّ: هو قوله تعالى: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: ٥]، وقال: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧]، وقال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: ٧].

وهو حجة على أبي حنيفة، وأصحابه القائلين بأن من أسلم على يديه رجلٌ، فولاؤه له، وبه قال الليث، وربيعة. وعلى إسحاق في حكمه بثبوت الولاء بالالتقاط. وعلى أبي حنيفة في حكمه بثبوت الولاء بالموالاة. ولمن قال: إن من أعتق عبده عن غيره، أو عن المسلمين إن ولاءه له، أعني للمعتق. وإليه ذهب ابن نافع فيمن أعتق عن المسلمين. ويلزمه فيمن أعتق عن غيره مطلقًا. وخالفه في ذلك مالك، والجمهور، متمسّكين بأن مقصود الحديث بيان حكم من أعتق عن نفسه، بدليل اتفاق المسلمين على أن الوكيل على العتق مُعتقٌ، ومع ذلك فالولاء للمعتق عنه إجماعًا، فكذلك حكم من أعتق عن الغير. وتُقدّره الشافعيّة أنه ملكه ثمّ ناب عنه في العتق. وأما المالكيّة، فإنهم قالوا: لا يحتاج إلى تقدير ذلك؛ لأنه يصحّ العتق عن الميت، وهو لا يملك. وفيه نظر، فإنه إن لم يقدّر الملك لزم منه هبة الولاء، وقد نهى النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عن بيع الولاء، وعن هبته. وإن قدّر الملك لم يصحّ العتق عن الميت؛ لأنه لا يملك. انتهى المقصود من كلام القرطبيّ (٢).

(ثُمَّ قَامَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ) وفي رواية: "أما بعد، فمال أقوام … " أي ما حالهم؟ (يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا، لَيْسَتْ فِي كِتَاب اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-) المراد بما ليس في كتاب اللَّه: ما خالف كتاب اللَّه. وقال ابن بطّال. المراد بكتاب اللَّه هنا حكمه، من كتابه -عَزَّ وَجَلَّ-، أو سنّة رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، أو إجماع الأمّة. وقال ابن خزيمة: ليس في كتاب اللَّه: أي ليس في حكم اللَّه جوازه، أو وجوبه، لا أن كلّ من شرط شرطًا لم ينطق به الكتاب يبطل؛ لأنه قد يشترط في البيع الكفيل، فلا


(١) "فتح" ٥/ ٥٠٣. "كتاب العتق".
(٢) "المفهم" ٤/ ٣٢٨٣٢٩. "كتاب العتق".