وقد نقلها حافظان كبيران عن النسائيّ محرّفة على غير هذا النصّ، وتحريفها عندهما لا ينفي سماع الحسن من أبي هريرة، بل يُثبته، كما سنذكره، حتى إن أحدهما، وهو الحافظ ابن حجر لم يجد مناصًا من القول بسماعه منه في الجملة، ونقض النفي العامّ الذي قلّد فيه بعضهم بعضًا:
فنقلها ابن حزم في "المحلّى" ١٠/ ٢٣٦، إذ روى الحديث من طريق النسائيّ، وذكرها بلفظ: قال الحسن لم أسمع من أبي هريرة، ثم بني عليها عدم صحّة ذلك الحديث عنده، فقال: فسقط بقول الحسن أن نحتجّ بذلك الخبر.
فهذه الرواية لكلمة الحسن وقعت لابن حزم على اللفظ الذي نقله، ولعلّ الغلط فيها من بعض الناسخين، أو الرواة الذين أخذ عنهم كتاب النسائيّ، ولذلك احتجّ باللفظ الذي وقع له، مستدلاًّ به على أن هذا الحديث بعينه ضعيف؛ لتصريح الحسن في الرواية التي عنده بأنه لم يسمعه من أبي هريرة. ونسخ كتاب النسائيّ الصحيحة هي على اللفظ الذي نقلناه.
ومع هذا فإن اللفظ الذي وقع لابن حزم لو صحّ عن الحسن كان دليلاً على سماعه من أبي هريرة بمفهوم الكلام وإيمائه، إذ ينصّ على أنه لم يسمع هذا الحديث بعينه من أبي هريرة، فيؤخذ منه أنه معروفٌ بالسماع منه، وأن ما يرويه عنه إنما يرويه سماعًا، ولذلك نصّ على الحديث الذي لم يسمعه؛ لئلا يُحمل على ما عُرف عنه.
ووقعت كلمة الحسن للحافظ ابن حجر بلفظ: قال الحسن: لم أسمع من أبي هريرة غير هذا الحديث. نقلها في "الفتح" ٩/ ٣٥٤، و"تهذيب التهذيب" ٢/ ٢٦٩ - ٢٧٠، وعقّب عليها في الموضعين بما يُفيد تسليمه بسماع الحسن من أبي هريرة.
فقال في "التهذيب": أخرجه -يعني النسائيّ- عن إسحاق بن راهويه، عن المغيرة بن سلمة، عن وُهيب، عن أيوب، وهذا إسناد لا مطعن في أحد من رواته، وهو يؤيّد أنه سمع من أبي هريرة في الجملة.
وقال في "الفتح": وقد تأوله بعضهم على أنه أراد لم يسمع هذا إلا من حديث أبي هريرة، وهو تكلّف، وما المانع أن يكون سمع هذا منه فقط، وصار يُرسل عنه غير ذلك.
فلم يستطع الحافظ أن يتفضى من دلالة كلمة الحسن على اللفظ الذي وقع له، واضطرّ إلى التسليم بسماع الحسن من أبي هريرة في الجملة.
واللفظ الثابت في كتاب النسائيّ بيّنٌ واضحٌ، صريحٌ في السماع، دالّ بإيمائه على أن الحسن لم يسمع حديث "المختلعات" من أحد من الصحابة غير أبي هريرة، وعلى أن