للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القصّة واحدة وقع الوهم في تسمية الملاعن، كما جزم به غير واحد، فهذه زيادة ثقة، فتُعتمد، وإن كانت متعدّدة، فقد ثبت بعضها في قصّة امرأة هلال انتهى كلام الحافظ ببعض اختصار (١).

(فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَمْسَكتُهَا، لَقَدْ كَذَبْتُ عَلَيْهَا) وفي رواية الأوزاعيّ: "إن حبستها، فقد ظلمتها" (فَفَارَقَهَا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - بِفِرَاقِهَا) وفي رواية مالك المذكورة: "فطلّقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -". وفي رواية ابن إسحاق: "ظلمتها إن أمسكتها، فهي الطلاق، فهي الطلاق". قال في "الفتح": وقد تفرّد بهذه الزيادة، ولم يُتابَع عليها، وكأنه رواه بالمعنى لاعتقاده منع جمع الطلقات الثلاث بكلمة واحدة. وقد تقدّم البحث عن هذا في باب "الثلاث المجموعة، وما فيه من التغليظ". واستُدلّ بقوله: "طلّقها ثلاثًا" أن الفرقة بين المتلاعنين تتوقّف على تطليق الرجل، كما نُقل عن عثمان الْبَتِّيّ.

وأُجيب بقوله في حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - "فرق النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بين المتلاعنين"، فإن حديث سهل، وحديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهم - في قصّة واحدة، وظاهر حديث ابن عمر أن الفرقة وقعت بتفريق النبيّ - رضي اللَّه عنه -. وقد وقع في "شرح مسلم للنوويّ": قوله: "كذبتُ عليها يا رسول اللَّه، إن أمسكتها" هو كلام مستقلّ، وقوله: "فطلّقها"، أي ثم عقب قوله ذلك بطلاقها، وذلك لأنه ظنّ أن اللعان لا يحرّمها عليه، فأراد تحريمها بالطلاق، فقال: هي طالقٌ ثلاثًا، فقال له النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا سبيل لك عليها"، أي لا ملك لك عليها، فلا يقع طلاقك انتهى.

قال الحافظ: وهو يوهم أن قوله: "لا سبيل لك عليها" وقع منه - صلى اللَّه عليه وسلم - عقب قول الملاعن: هي طالق ثلاثًا، وأنه موجود كذلك في حديث سهل بن سعد - رضي اللَّه عنه - الذي شرحه، وليس كذلك، فإن قوله: "لا سبيل لك عليها"، لم يقع في حديث سهل - رضي اللَّه عنه -، وإنما في حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - عقب قوله: "اللَّه يعلم أن أحدكما كاذبٌ، لا سبيل لك عليها"، وفيه: "قال: يا رسول اللَّه مالي … " الحديث. كذا في "الصحيحين".

قال الحافظ: وظهر من ذلك أن قوله: "لا سبيل لك عليها"، إنما استدلّ من استدلّ به من أصحابنا -يعني الشافعيّة- لوقوع الفرقة بنفس الطلاق من عموم لفظه، لا من خصوص السياق. واللَّه أعلم انتهى (٢).


(١) "فتح" ١٠/ ٥٦٥ - ٥٦٦.
(٢) "فتح" ١٠/ ٥٦٦.