للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإثبات الصدق يمين، لكن أطلق عليها شهادة لاشتراط أن لا يكفَى في ذلك بالظنّ، بل لا بدّ من وجود علم كلّ منهما بالأمرين علمًا يصحّ معه أن يشهد به، ويؤيّد كونها يمينًا أن الشخص لو قال: أشهد باللَّه فقد كان كذا لعُدّ حالفًا. وقد قال القفّال في "محاسن الشريعة": كررت أيمان اللعان لأنها أقيمت مقام أربع شهود في غيره ليقام عليها الحدّ، ومن ثمّ سمّيت شهادات. انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في اشتراط تفريق الحاكم بين المتلاعنين: ذهبت جمماعة إلى أن الفرقة لا تحصل إلا بتفريق الحاكم بينهما، وبه قال أبو حنيفة، والثوريّ، وأحمد؛ يقول ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - في حديثه: ففرّق رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بينهما. وفي حديث عويمر - رضي اللَّه عنه -، قال: "كذبت عليها يا رسول اللَّه إن أمسكتها، فطلّقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -"، وهذا يقتضي إمكان إمساكها، وأنه وقع طلاقه، ولو كانت الفرقة وقعت قبل ذلك، لما وقع طلاقه، ولا أمكنه إمساكها. ولأن سبب هذه الفرقة يَقِفُ على الحاكم، فالفرقة المتعلّقة به لا تقع إلا بحكم الحاكم، كفرقة الْعُنّة.

وذهبت طائفة إلى أن الفرقة تحصل بمجرّد التعانهما، وبه قال مالكٌ، وأبو عبيد، وأبو ثور، وداود، وزفر، وابن المنذر. وروي ذلك عن ابن عبّاس؛ لما روي عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: "المتلاعنان يُفرّق بينهما، ولا يجتمعان أبدًا". رواه سعيد بن منصور. ولأنه معنى يقتضي التحريم المؤبّد، فلم يقف على حكم الحاكم كالرضاع، ولأن الفرقة لو لم يحصل إلا بتفريق الحاكم، لساغ ترك التفريق إذا كرهاه، كالتفريق للعيب، وللإعسار، ولو وجب أن الحاكم إذا لم يُفرّق بينهما أن يبقى النكاح مستمرًّا، وقول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا سبيل لك عليها" يدلّ على هذا، وتفريقه بينهما بمعنى إعلامه لهما بحصول الفرقة، وعلى كلتا الروايتين لا تحصل الفرقة قبل تمام اللعان منهما. وقال الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: تحصل الفرقة بقول الزوج وحده، وإن لم تلتعن المرأة؛ لأنها فرقة حاصلة بالقول، فتحصل بقول الزوج وحده، كالطلاق. قال ابن قدامة: ولا نعلم أحدًا وافق الشافعيّ على هذا القول. وحكي عن الْبَتّيّ أنه لا يتعلّق باللعان فرقةٌ؛ لما روى أن العجلانيّ لَمّا لاعن عن امرأته طلّقها ثلاثًا، فأنفذه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، ولو وقعت الفرقة لما نفذ طلاقه.


(١) "فتح" ١٠/ ٥٥٧ - ٥٥٨.