للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذهبت طائفة إلى أنه لا يصحّ اللعان إلا من زوجين مسلمين، عدلين، حرّين، غير محدودين في قذف. روي هذا عن الزهريّ، والثوريّ، والأوزاعيّ، وحماد، وأصحاب الرأي. وعن مكحول: ليس بين المسلم والذّمّيّة لعان. وعن عطاء، والنخعيّ في المحدود في القذف: يُضرب الحدّ، ولا يُلاعن. وروي فيه حديث، ولا يثبت، كذلك قال الشافعيّ، والساجيّ؛ ولأن اللعان شهادة، بدليل قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ}، فاستثنى أنفسهم من الشهداء، وقال تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ}، فلا يُقبل ممن ليس من أهل الشهادة (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح عندي ما ذهب إليه الأولون؛ لقوّة دليله. واللَّه تعالى أعلم.

وقال في "الفتح" عند شرح حديث ابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "أن رجلاً من الأنصار قذف امرأته، فأحلفهما النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، ثم فرّقهما": ما نصّه: وقد تمسّك به من قال: إن اللعان يمين، وهو قول مالك، والشافعيّ، والجمهور. وقال أبو حنيفة: اللعان شهادة، وهو وجه للشافعيّة. وقيل: شهادة فيها شائبة اليمين. وقيل: بالعكس. ومن ثمّ قال بعض العلماء: ليس بيمين، ولا شهادة.

وانبنى على الخلاف أن اللعان يُشرع بين كلّ زوجين مسلمين، أو كافرين، حرّين، أو عبدين، عدلين، أو فاسقين؛ بناءً على أنه يمين، فمن صحّ يمينه صحّ لعانه. وقيل: لا يصحّ اللعان إلا من زوجين حرّين مسلمين؛ لأن اللعان شهادة، ولا يصحّ من محدود في قذف، وهذا الحديث حجة للأولين؛ لتسوية الراوي بين لاعَنَ، وحلف، ويؤيّده أن اليمين ما دلّ على حثّ، أو منع، أو تحقيق خبر، وهو هنا كذلك، ويدلّ عليه قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في بعض طرق حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما -: "فقال له: احلف باللَّه الذي لا إله إلا هو إني لصادق، يقول ذلك أربع مرّات". أخرجه الحاكم، والبيهقيّ، من رواية جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عنه. وقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن".

واعتلّ بعض الحنفيّة بأنها لو كانت يمينًا لما تكرّرت. وأجيب بأنها خرجت عن القياس تغليظًا لحرمة الفرج، كما خرجت القسامة لحرمة الأنفس، وبأنها لو كانت شهادة لم تكرر أيضًا.

قال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى-: والذي تحرّر لي أنها من حيث الجزم بنفي الكذب،


(١) راجع "المغني" لابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- ١١/ ١٢٢ - ١٢٤.