للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إمكانه أولى من الترجيح. ثم قوله: "وقيل: عاصم بن عديّ" فيه نظر؛ لأنه ليس لعاصم فيه قصّة أنه الذي لاعن امرأته، وإنما الذي وقع من عاصم نظير الذي وقع من سعد بن عبادة. ولما روى ابن عبد البرّ في "التمهيد" طريق جرير بن حازم تعقّبه بأن قال: قد رواه القاسم بن محمد، عن ابن عبّاس كما رواه الناس. وهذا يوهم أن القاسم سمّى الملاعن عويمرًا، والذي في "الصحيح": "فأتاه رجلٌ من قومه"، أي من قوم عاصم، وللنسائيّ من هذا الوجه: "لاعن بين العجلانيّ وامرأته"، والعجلانيّ هو عمير. انتهى كلام الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في "تفسير سورة النور" (١).

وقال في "كتاب الطلاق" بعد الإشارة إلى ما تقدّم: وظهر لي الآن احتمال أن يكون عاصم سأل قبل النزول، ثم جاء هلال بعده، فنزلت عند سؤاله، فجاء عويمرٌ في المرّة الثانية التي قال فيها: "إن الذي سألتك عنه، قد ابتليت به"، فَوَجَدَ الآيةَ نزلت في شأن هلال، فأعلمه - صلى اللَّه عليه وسلم - بأنها نزلت فيه، يعني أنها نزلت في كلّ من وقع له ذلك؛ لأن ذلك لا يختصّ بهلال، وكذا يجاب على سياق حديث ابن مسعود - رضي اللَّه عنه - يحتمل أنه لما شرع يدعو بعد توجّه العجلانيّ جاء هلال، فذكر قصّته، فنزلت، فجاء عويمرٌ، فقال: قد نزل فيك، وفي صاحبتك انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الجمع الذي سلكه الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- جمع حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في صفة الزوجين اللذين يصحّ منهما اللعان:

ذهبت طائفة إلى أن اللعان يصحّ من كلّ زوجين مكلّفين، مسلمين كانا، أو كافرين، أو عدلين، أو فاسقين، أو محدودين في قذف، أو كان أحدهما كذلك. وبهذا قال سعيد ابن المسيّب، وسليمان بن يسار، والحسن، وربيعة، ومالك، وإسحاق، وأحمد في رواية.

وحجّتهم عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الآية؛ ولأن اللعان يمين، فلا يفتقر إلى سائر ما اشترطوه، كسائر الأيمان، ودليل أنه يمين قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لولا الأيمان، لكان لي ولها شأن". وأما تسميته شهادة؛ فلقوله في يمينه: أشهد باللَّه، فسمي ذلك شهادة، وإن كان يمينًا، كما قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} الآية [المنافقون: ١].


(١) "فتح" ٩/ ٣٨٢ - ٣٨٣. في تفسير "سورة النور".
(٢) "فتح" ١٠/ ٥٦٤ - ٥٦٥ "كتاب الطلاق".