للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن سعيد، قال: كنّا بالكوفة نختلف في الملاعنة، يقول بعضنا: يفرّق بينهما، ويقول بعضنا: لا يفرّق". ويؤخذ منه أن الخلاف في ذلك كان قديمًا، وقد استمر عثمان البتّيّ من فقهاء البصرة على أن اللعان لا يقتضي الفرقة، كما تقدّم نقله عنه، وكأنه لم يبلغه حديث ابن عمر. قاله في "الفتح" (١).

(فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كنية عبد اللَّه بن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهما - (الْمُتَلَاعِنَيْنِ) هكذا رواية المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- "المتلاعنين" بالياء، وهو يحتمل أن يكون منصوبًا بفعل مقدّر، أي أسألك المتلاعنين، أي حكمهما، ويحتمل الجرّ بحرف مقدّر على قلّة، أي أخبرني عن المتلاعنين، ولفظ مسلم: "المتلاعنان"، وهو واضح، إذ هو مبتدأٌ، خبره جملة: أيفرّق بينهما" (أَيُفَرَّقُ) بالبناء للمجهول (بَيْنَهُمَا؟) وفي رواية عزرة، عن سعيد بن جبير الآتية في الباب التالي: قال: "لم يفرّق المصعب -يعني ابن الزبير- بين المتلاعنين، فذكرت ذلك لابن عمر، فقال: فرّق رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان".

(قَالَ: نَعَمْ، سُبْحَانَ اللَّهِ) إنما سبّح تعجبًا من خفاء هذا الحكم المشهور على سعيد (إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ) قال القرطبيّ: هو -واللَّه أعلم- عويمر العجلانيّ المتقدّم الذكر انتهى (٢) (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ -وَلَمْ يَقُلْ عَمْرٌو: أَرَأَيْتَ-) يعني أن شيخه عمر بن عليّ لم يذكر في روايته: لفظ "أرأيت"، وإنما ذكرها محمد بن المثنى (الرَّجُلَ مِنَّا يَرَى عَلَى امْرَأَتِهِ فَاحِشَةً) أي زنا (إِنْ تَكَلَّمَ فَأَمْرٌ عَظِيمٌ، وَقَالَ عَمْروٌ) يعني الفلاّس (أَتَى أَمْرًا عَظِيمًا- وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَلَمْ يُجِبْهُ) أي لم يجب النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - السائل (فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ) أي جاء السائل النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - (فَقَالَ: إِنَّ الأَمْرَ الْذِي سَأَلْتُكَ، ابْتُلِيتُ بِهِ) تقدّم شرحه قريبًا (فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، فِي سُورَةِ النُّورِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} حَتَّى بَلَغَ {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ) فيه أن الابتداء في اللعان يكون بالزوج؛ لأن اللَّه تعالى بدأ به؛ ولأنه يُسقط عن نفسه حد قذفها، وينفي النسب إن كان. ونقل القاضي وغيره إجماع المسلمين على الابتداء بالزوج، ثم قال الشافعيّ، وطائفة: لو لاعنت المرأة قبله لم يصحّ لعانها. وصححه أبو حنيفة، وطالْفة. قاله النوويّ (٣).

(فوَعَظَهُ، وَذَكَّرَهُ) قال القرطبيّ: هذا الوعظ والتذكير كان منه - صلى اللَّه عليه وسلم - قبل اللعان. وينبغي


(١) "فتح" ١٠/ ٥٧٢ - ٥٧٣.
(٢) "المفهم" ٤/ ٢٩٥.
(٣) "شرح مسلم"١٠/ ٣٦٣.