قال الداوديّ، ففي رواية جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - عند الطبريّ، والحاكم، والبيهقيّ في قصّة هلال بن أميّة: "قال: فدعاهما حين نزدت آية الملاعنة، فقال: "اللَّه يعلم أن أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائب؟ قال هلالٌ: واللَّه إني لصادقٌ … " الحديث. وقد قدّمت أن حديث ابن عبّاس من رواية عكرمة في قصّة غير القصّة التي في حديث سهل بن سعد، وابن عمر - رضي اللَّه عنهم -، فيصحّ الأمران معًا باعتبار التعدّد انتهى كلام الحافظ (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن استدلال المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بهذا الحديث على أن الاستتابة بعد وقوع اللعان صحيحٌ؛ إذ هو ظاهر سياق الحديث، كما قاله عياضٌ -رحمه اللَّه تعالى-.
والحاصل أنه يستحبّ الاستتابة قبل اللعان، كما يدلّ له ظاهر حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - المذكور، وبعده، كما هو ظاهر حديث الباب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
٣٥٠٢ - (أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ, قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ, عَنْ أَيُّوبَ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, قَالَ: قُلْتُ: لاِبْنِ عُمَرَ: رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ, قَالَ: فَرَّقَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ, وَقَالَ «اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ, فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ» , قَالَ لَهُمَا ثَلَاثًا, فَأَبَيَا, فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا, قَالَ أَيُّوبُ: وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: إِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئًا, لَا أَرَاكَ تُحَدِّثُ بِهِ, قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: مَالِي؟ , قَالَ: «لَا مَالَ لَكَ, إِنْ كُنْتَ صَادِقًا, فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا, وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا, فَهِيَ أَبْعَدُ مِنْكَ»).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، و"زياد بن أيوب": هو الحافظ البغداديّ المعروف بـ "دَلُّويه". و"أيوب": هو السختيانيّ.
وقوله: "اللَّه يعلم أن أحدكما كاذب" فيه تغليب المذكّر على المؤنّث. قال القاضي عياض، وتبعه النوويّ: في قوله: "أحدكما" ردٌّ على من قال من النحاة: إن لفظ "أحد" لا يُستعمل إلا في النفي، وعلى من قال منهم ة لا يستعمل إلا في الوصف، وأنها لا توضع موضع واحد، ولا تقع موقعه. وقد أجازه المبرّد، وجاء في هذا الحديث في غير وصف، ولا نفي، وبمعنى "واحد" انتهى.
قال الفاكهيّ: هذا من أعجب ما وقع للقاضي مع براعته، وحِذْقه، فإن الذي قاله النحاة، إنما هو في "أحد" التي للعموم، نحو ما في الدار من أحد، وما جاءني من
(١) "فتح" ١٠/ ٥٧٥.