للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فاجتمعوا عندها، فقالت: قد ولدت فهو ابنك يا فلان، فيُلحق به ولدها، ولا يستطيع أن يمتنع … إلى أن قالت: "ونكاح البغايا، كنّ يَنصبن عليّ أبوابهنّ رايات، فمن أرادهنّ، دخل عليهنّ، فإذا حملت إحداهنّ، فوضعت، جُمِعوا لها، ودعوا القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرى القائف، لا يمتنع من ذلك انتهى.

واللائق بقصّة أمة زمعة الأخير، فلعلّ جمع القافة لهذا الولد تعذر بوجه من الوجوه، أو أنها لم تكن بصفة البغايا، بل أصابها عتبة سرًّا من زنا، وهما كافران، فحملت، وولدت ولدًا يُشبهه، فغلب على ظنّه أنه منه، فبغته الموت قبل استلحاقه، فأوصى أخاه أن يسلتحقه، فعمد سعد بعد ذلك، تمسّكا بالبراءة الأصليّة.

قال القرطبيّ: وكان عبد بن زمعة سمع أن الشرع ورد بأن الولد للفراش، وإلا فلم يكن عادتهم الإلحاق به. كذا قال، قال الحافظ: ولا أدري من أين له هذا الجزم بالنفي، وكأنه بناه على ما قاله الخطّابيّ: من أن أمة زمعة كانت من البغايا اللاتي عليهن من الضرائب، فكان الإلحاق مختصًّا باستلحاقها على ما ذكر، أو بإلحاق القائف على ما في حديث عائشة، لكن لم يذكر الخطّابيّ مستندًا لذلك، والذي يظهر من سياق القصّة ما قدّمته أنها كانت أمةً، مستفرشةً لزمعة، فاتّفق أن عتبة زنى بها، كما تقدّم، وكانت طريقة الجاهليّة في مثل ذلك أن السيّد إن استلحقه لحقه، وإن نفاه انتفى عنه، وإذا ادّعاه غيره كان مردّ ذلك إلى السيّد، أو القافة. وقد وقع في حديث ابن الزبير الذي أسوقه بعد هذا ما يؤيّد ما قلته.

وأما قوله: إن عبد بن زمعة سمع أن الشرع الخ، ففيه نظر؛ لأنه يبعد أن يسمع ذلك عبد بن زمعة، وهو بمكة لم يُسلم بعدُ، ولا يسمعه سعد بن أبي وقّاص، وهو من السابقين الأوّلين الملازمين لرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - من حين إسلامه إلى حين فتح مكة نحو العشرين سنة، حتى ولو قلنا: إن الشرع لم يرد بذلك، إلا في زمن الفتح، فبلوغه لعبد قبل سعد بعيدٌ أيضًا. والذي يظهر لي أن شرعيّة ذلك إنما عُرفت من قوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في هذه القصّة: "الولد للفراش"، وإلا فما كان سعد لو سبق علمه بذلك ليَدَعَه، بل الذي يظهر أن كُلاًّ من سعد، وعتبة بنى على البراءة الأصليّة، وأن مثل هذا الولد يقبل النزاع.

وقد أخرج أبو داود تلو حديث الباب بسند حسن إلى عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: قام رجلٌ، فقال: يا رسول اللَّه، إن فلانًا عاهرت بأمه في الجاهليّة، فقال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهليّة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر". وقد وقع في بعض طرقه أن ذلك وقع زمن الفتح، وهو يؤيّد ما قلته.