للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

زورٌ؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - حكم بأنه أخو عبد، وأمر سودة بالاحتجاب عنه بسبب الشبه بعتبة، فلو كان الحكم يُحلّ الأمر في الباطن، لما أمرها بالاحتجاب. (ومنها): أنه يدلّ على صحّة ملك الكافر الوثنيّ الأمة الكافرة، وأن حكمها بعد أن تلد من سيّدها حكم القنّ؛ لأن عَبْدًا، وسعدًا أطلقا عليها أمةً، ووليدةً، ولم يُنكر ذلك النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -. وأجيب بأن عتق أم الولد بموت السيّد ثبت بأدلّة أخرى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في استلحاق غير الأب:

ذهب الشافعيّ وجماعة -رحمه اللَّه تعالى- إلى أن الاستلحاق لا يختصّ بالأب، بل للأخ أن يستلحق، لكن بشرط أن يكون حائزَا للإرث، أو يوافقه باقي الورثة، وإمكان كونه من المذكور، وأن يوافق على ذلك، إن كان بالغًا عاقلاً، وأن لا يكون معروف الأب.

وتُعُقّب بأن زمعة كان له ورثة غير عبد. وأجيب بأنه لم يخلُف وارثاً غيره، إلا سودة، فإن كان زمعة مات كافرًا، فلم يرثه إلا عبدٌ وحده. وعلى تقدير أن يكون أسلم، وورثته سودة، فيحتمل أن تكون وكّلت أخاها في ذلك، أو ادّعت أيضًا.

وذهب مالك، وطائفة -رحمه اللَّه تعالى- إلى أن الاستلحاق خاصّ بالأب. وأجابوا عن هذا الحديث بأن الإلحاق لم ينحصر في استلحاق عبد؛ لاحتمال أن يكون النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - اطّلع على ذلك بوجه من الوجوه، كاعتراف زمعة بالوطء، ولأنه إنما حكم بالفراش؛ لأنه قال -بعد قوله: "هو لك" -: "الولد للفراش"؛ لأنه لما أبطل الشرع إلحاق هذا الولد بالزاني لم يبق صاحبَ الفراش.

وجرى المزنيّ على القول بأن الإلحاق يختصّ بالأب، فقال: أجمعوا على أنه لا يُقبل إقرار أحد على غيره، والذي عندي في قصّة عبد بن زمعة أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أجاب عن المسألة، فأعلمهم أن الحكم كذا بشرط أن يدّعي صاحب الفراش، لا أنه قَبِلَ دعوى سعد عن أخيه عتبة، ولا دعوى عبد بن زمعة عن زمعة، بل عرّفهم أن الحكم في مثلها يكون كذلك، قال: ولذلك قال: "احتجبي منه يا سودة".

وتُعُقّب بأن قوله لعبد بن زمعة: "هو أخوك" يدفع هذا التأويل (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن ما ذهب إليه الشافعيّة وجماعة، من أن الاستلحاق يجوز للأخ هو الراجح؛ عملاً بظاهر حديث الباب. واللَّه تعالى أعلم


(١) "فتح" ١٣/ ٥٢٣. "كتاب الفرائض". حديث رقم ٦٧٤٩.