للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عُرف من قاعدته تقديم القياس في مواضع على خبر الواحد، وهذا منها انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا بدّ لثبوت النسب من الإمكان زمانًا ومكانًا هو الصواب عندي؛ لوضوح متمسّكه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثامنة): قال المازريّ -رحمه اللَّه تعالى-: يتعلّق بهذا الحديث استلحاق الأخ لأخيه، وهو صحيح عند الشافعيّ، إذا لم يكن له وارث سواه، وقد تعلّق أصحابه بهذا الحديث لأنه لم يرد أن زمعة ادّعاه ولدًا، ولا اعترف بوطء أمه، فكان المعوّل في هذه القصّة على استلحاق عبد بن زمعة، قال: وعندنا -يعني المالكيّة- لا يصحّ استلحاق الأخ، ولا حجة في هذا الحديث؛ لأنه يمكن أن يكون ثبت عند النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - أن زمعة كان يطأ أمته، فألحق الولد به؛ لأن من ثبت وطؤه لا يحتاج إلى الاعتراف بالوطء، وإنما يصعب هذا على العراقيين، ويعسر عليهم الانفصال عفا قاله الشافعيّ؛ لما قرّرناه أنه لم يكن لزمعة ولدٌ من الأمة المذكورة سابقٌ، ومجرّد الوطء لا عبرة به عندهم، فيلزمهم تسليم ما قال الشافعيّ، قال: ولَمّا ضاق عليهم الأمر، قالوا: الرواية في هذا الحديث: "هو لك عبد بن زمعة"، وحُذف حرف النداء بين عبد وابن زمعة، والأصل يا ابن زمعة، قالوا: والمراد أن الولد لا يلحق بزمعة، بل هو عبد لولده؛ لأنه وارثه، وأمر سودة بالاحتجاب منه؛ لأنها لم ترث زمعة؛ لأنه مات كافرًا، وهي مسلمةٌ، قال: وهذه الرواية التي ذكروها غير صحيحة، ولو وردت لرددناها إلى الرواية المشهورة، وقلنا: بل المحذوف حرف النداء بين "لك"، و"عبد"، كقوله تعالى، حكايته عن صاحب يوسف - عليه السلام -، حيث قال: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} انتهى.

وسلك الطحاويّ فيه مسلكًا آخر، فقال: معنى قوله: "هو لك" أي يدك عليه، لا أنك تملكه، ولكن تمنع غيرك منه إلى أن يتبيّن أمره، كما قال لصاحب اللقطة: "هي لك"، وقال له: "إذا جاء صاحبها فأدّها إليه"، قال: ولما كانت سودة شريكة لعبد في ذلك، لكن لم يعلم منها تصديق ذلك، ولا الدعوى به، ألزم عبدًا بما أقرّ به على نفسه، ولم يجعل ذلك عليها، فأمرها بالاحتجاب.

وكلامه هذا كله متعقّبٌ بالرواية الثانية المصرّح فيها بقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اخوك"، فإنها رفعت الإشكال، وكأنه لم يقف عليها، ولا على حديث ابن الزبير وسودة الدّالّ على أن سودة وافقت أخاها عبدًا في الدعوى بذلك. قاله في "الفتح". واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة التاسعة): أنه قد استدلّت الحنفيّة بهذا الحديث على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يلحقه