للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بزمعة؛ لأنه لو ألحقه به لكان أخا سودة، والأخ لا يؤمر بالاحتجاب منه.

وأجاب الجهمور بأن الأمر بذلك كان للاحتياط؛ لأنه وإن حكم بأنه أخوها؛ لقوله في الطرق الصحيحة: "هو أخوك يا عبد"، وإذا ثبت أنه أخو عبد لأبيه، فهو أخو سودة لأبيها، لكن لما رأى الشبه بيّنًا بعتبة أمرها بالاحتجاب منه احتياطًا. وأشار الخطّابيّ إلى أن في ذلك مزيّة لأمهات المؤمنين؛ لأن لهنّ في ذلك ما ليس لغيرهنّ، قال: والشبه يُعتبر في بعض المواطن، لكن لا يُقضى به، إذا وُجد ما هو أقوى منه، وهو كما يُحكم في الحادثة بالقياس، ثم يوجد فيها نصّ، فيُترك القياس. قال: وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث، وليس بثابت: "احتجبي منه، يا سودة، فإنه ليس لك بأخ"، وتبعه النوويّ، فقال: هذه الزيادة باطلة مردودة. وتُعُقّب بأنها وقعت في حديث عبد اللَّه بن الزبير، عند النسائيّ (١)، بسند حسن، ولفظه: "كانت لزمعة جارية يطؤها … " الحديث، ورجال سنده رجال الصحيح، إلا شيخ مجاهد، وهو يوسف مولى آل الزبير.

وقد طعن البيهقيّ في سنده، فقال: فيه جرير، وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ، وفيه يوسف، وهو غير معروف، وعلى تقدير ثبوته، فلا يعارض حديث عائشة المتّفق على صحّته.

وتُعُقّب بأن جريرًا هذا لم يُنسب إلى سوء حفظ، وكأنه اشتبه عليه بجرير بن حازم، وبأن يوسف معروف في موالي آل الزبير، وبأن الجمع بينهما ممكن، فلا ترجيح. وعلى هذا فيتعيّن تأويله، وإذا ثبتت هذه الزيادة تعليق تأويل نفي الأخوة عن سودة على نحو ما تقدّم من أمرها بالاحتجاب منه.

ونقل ابن العربيّ في "القوانين" عن الشافعيّ نحو ما تقدّم، وزاد: ولو كان أخاها بنسب محقّق لما منعها، كما أمر عائشة أن لا تحتجب من عمها من الرضاعة.

وقال البيهقيّ: معنى قوله: "ليس لك بأخ" بالنسبة للميراث من زمعة؛ لأن زمعة مات كافرًا، وخلف عبد بن زمعة، والولد المذكور، وسودة، فلا حقّ لسودة في إرثه، بل حازه عبد قبل الاستلحاق، فإذا استلحق الابن المذكور شاركه في الإرث، دون سودة، فلهذا قال لعبد: "هو أخوك"، وقال لسودة: "ليس لك بأخ".

وقال القرطبيّ -بعد أن قرّر أن أمر سودة بالاحتجاب للاحتياط، وتوقّي الشبهات-: ويحتمل أن يكون ذلك لتغليظ أمر الحجاب في حقّ أمهات المؤمنين، كما قال:


(١) هو الحديث التالي لهذا الحديث في الباب رقم ٣٥١٢.