للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"أفعمياوان أنتما"، فنهاهما عن رؤية الأعمى، مع قوله لفاطمة بنت قيس: "اعتدّي عند ابن أم مكتوم، فإنه أعمى"، فغلّظ الحجاب في حقّهنّ، دون غيرهنّ. وقد قال بعض أهل العلم إنه كان يحرم عليهنّ بعد الحجاب إبراز أشخاصهنّ، ولو كنّ مستترات، إلا لضرورة، بخلاف غيرهنّ، فلا يُشترط. وأيضًا فإن للزوج أن يمنع زوجته من الاجتماع بمحارمها، فلعلّ المراد بالاحتجاب عدم الاجتماع في الخلوة.

وقال ابن حزم: لا يجب على المرأة أن يراها أخوها، بل الواجب عليها صلة رحمها، ورَدّ على من زعم أن معنى قوله: "هو لك" أي عبدٌ بأنه لو قضى بأنه عبد لما أمر سودة بالاحتجاب منه؛ إما لأن لها فيه حصّةً، وإما لأن من في الرقّ لا يُحتجب منه على القول بذلك. أفاده في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي الراجح أن نهيه - صلى اللَّه عليه وسلم - سودة - رضي اللَّه تعالى - عنها، وقوله: "فإنه ليس لك بأخ" إن صح محمول على الاحتياط، فإنه وإن ثبت نسبه لأجل الفراش، إلا أن شبهه بعتبة يورث الشبهة، فيُحتاط من أجله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة العاشرة): استدلّ بالحديث بعض المالكيّة على مشروعيّة الحكم بين حكمين، وهو أن يأخذ الفرع شبهًا من أكثر من أصل، فيُعطَى أحكامًا بعدد ذلك، وذلك أن الفراش يقتضي إلحاقه بزمعة في النسب، والشبه يقتضي إلحاقه بعتبة، فأعطي الفرع حكمًا بين حكمين، فروعي الفراش في النسب، والشبه البيّن في الاحتجاب، قال: وإلحاقه بهما، ولو كان من وجه أولى من إلغاء أحدهما من كلّ وجه.

قال ابن دقيق العيد: وُيعتَرض على هذا بأن صورة المسألة ما إذا دار الفرع بين أصلين شرعيين، وهنا الإلحاق شرعيّ للتصريح بقوله: "الولد للفراش"، فبقي الأمر بالاحتجاب مشكلاً؛ لأنه يناقض الإلحاق، فتعيّن أنه للاحتياط، لا لوجوب حكم شرعيّ، وليس فيه إلا ترك مباح، مع ثبوت المحرميّة انتهى. وهو اعتراض وجيه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الحادية عشرة): أنه استُدلّ بهذا الحديث على أن لوطء الزنا حكم وطء الحلال في حرمة المصاهرة، وهو قول الجمهور، ووجه الدّلالة أمر سودة بالاحتجاب بعد الحكم بأنه أخوها لأجل الشبه بالزاني.

وقال مالك في المشهور عنه، والشافعيّ: لا أثر لوطء الزنا، بل للزاني أن يتزوّج أم


(١) "فتح" ١٣/ ٥٢٦ - ٥٢٧.