(ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعيّ مُخَضْرَم. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث
(عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) - رضي اللَّه تعالى عنه -، أنه (قَالَ: أُتِيَ) بالبناء للمفعول (عَليٌّ) بن أبي طالب (رَضِي اللَّه تعالى عَنْه) وفي الرواية التالية: "بينا نحن عند رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، إذ جاء رجلٌ من اليمن، فجعل يُخبره، ويحدّثه، وعليّ بها، فقال: يا رسول اللَّه أَتى عليًّا ثلاثة نفر … (بثَلَاَثةِ) أي بثلاثة نفر (وَهُوَ بِالْيَمَنِ-) جملة في محلّ نصب على الحال، أي والحال أن عَليًّا - رضي اللَّه عنه - كائن باليمن، حيث ولاّه رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - عليها (وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ) أي جامعوا امرأةً، وهي أمة مشتركة بينهم (فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ، أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟) أي أترضيان يكون الولد لهذا الثالث، وتتركان دعواه مسامحة.
وفي رواية أبي داود: "فقال لاثنين: طِيبا بالولد لهذا" (قَالَا: لَا) وفي رواية أبي داود: "فغليا"، أي من الغليان، يعني أنهما صاحا (ثُمَّ سأَلَ اثْنَيْنِ، أَتُقِرَّانِ لِهَذَا بِالْوَلَدِ؟، قَالَا: لَا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَلْحَقَ) وفي نسخة: "وألحق" بالواو (الْوَلَدَ بِالَّذِي صَارَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ) أي خرجت القرعة باسمه (وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيِ الدِّيَةِ) أي غرّم من خرجت له القرعة ثلثي دية الولد.
وقال الإمام ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- في "تهذيب السنن": وهذا مما أشكل على الناس، ولم يعرف له وجه، وسألت شيخنا -يعني ابن تيميّة-؟ فقال: له وجه، ولم يزد. ولكن قد روى الحميديّ في "مسنده" بلفظ آخر، يدفع الإشكال جملة، قال: "وأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه"، وهذا؛ لأن الولد لما لحق به صارت أم ولد، وله فيها ثلثها، فغرّمه قيمة ثلثيها اللذين أفسدهما على الشريكين بالاستيلاد، فلعلّ هذا هو المحفوظ، وذكر ثلثي دية الولد وهم، أو يكون عبّر عن قيمة الجارية بالدية؛ لأنها هي التي يُودَى بها، فلا يكون بينهما تناقض انتهى (١).
وتعقّبه العلامة أحمد محمد شاكر -رحمه اللَّه تعالى-، فقال: هذا تكلّفٌ، ورواية الحميدي التي أشار ابن القيّم لم نر إسنادها، ولا معنى لردّ الحديث الصحيح بتكلّف معنى من رواية تنافيه، والظاهر أن الوجه فيه أن إلزام من خرجت له قرعة الولد بثلثي الدية؛ لأن الولد لم يثبت نسبه من واحد منهم بدليل صحيح، أو راجح، والقرعة في ذاتها ليست دليلاً على صحّة النسب، وإنما هي لقطع النزاع في خصومة، لا يملك أحد الخصمين فيها دليلاً، فعلى من استفاد بالقرعة لحوق الولد به أن يُعوّض الآخرين ما