الشبه، والظنّ، والتخمين، ومعلومٌ أن الشبه قد يوجد من الأجانب، وينتفي عن الأقارب، وذكرتم قصّة أسامة وزيد، ونسيتم قصّة الذي ولدت امرأته غلامًا أسود، يخالف لونهما، فلم يمكنه النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من نفيه، ولا جعل للشبه، ولا لعدمه أثَرًا، ولو كان للشبه أثرٌ لاكتفى به في ولد الملاعنة، ولم يحتج إلى اللعان، ولكان ينتظر ولادته، ثم يلحق بصاحب الشبه، ويستغني بذلك عن اللعان، بل كان لا يصحّ نفيه مع وجود الشبه بالزوج، وقد دلّت السنّة الصحيحة الصريحة على نفيه عن الملاعن، ولو كان الشبه له، فإن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال:"أبصروها، فإن جاءت به كذا وكذا، فهو لهلال بن أميّة"، وهذا قاله بعد اللعان، ونفي النسب عنه، فعلم أنه لو جاء على الشبه المذكور، لم يثبت نسبه منه، وإنما كان مجيئه على شبهه دليلاً على كذبه، لا على لحوق الولد به.
قالوا: وأما قصّة أسامة وزيد، فالمنافقون كانوا يطعنون في نسبه من زيد؛ لمخالفة لونه لون أبيه، ولم يكونوا يكتفون بالفراش، وحكم اللَّه تعالى، ورسوله - صلى اللَّه عليه وسلم - في أنه ابنه، فلما شهد به القائف، وافقت شهادته حكم اللَّه تعالى، ورسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -، فسُرّ به النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ لموافقتها حكمه، ولتكذبيها قول المنافقين، لا أنه أثبت نسبه بها، فأين في هذا إثبات النسب بقول القائف؟.
قالوا: وهذا معنى الأحاديث التي ذُكر فيها اعتبار الشبه، فإنها إنما اعْتَبَرَت فيه الشبه بنسب ثابت بغير القافة، ونحن لا ننكر ذلك.
قالوا: وأما حكم عمر، وعليّ، فقد اختُلف على عمر، فروي عنه ما ذكرتم، وروي عنه أن القائف لما قال له: قد اشتركا فيه، قال: والِ أيّهما شئت، فلم يعتبر قول القائف.
قالوا: وكيف تقولون بالشبه، ولو أقرّ أحد الورثة بأخ، وأنكره الباقون، والشبه موجود، لم تثبتوا النسب به، وقلتم: إن لم تتّفق الورثة على الإقرار به لم يثبت النسب؟.
قال أهل الحديث: من العجب أن يُنكر علينا القول بالقافة، ويجعلها من باب الحدس والتخمين من يُلحِق ولد المشرقيّ بمن في أقصى الغرب، مع القطع بأنهما لم يتلاقيا طرفة عين، ويُلحق الولد باثنين مع القطع بأنه ليس ابنًا لأحدهما، ونحن إنما ألحقنا الولد بالقائف المستند إلى الشبه المعتبر شرعًا وقدرًا، فهو استناد إلى ظنّ غالب، ورأي راجح، وأمارة ظاهرة بقول من هو من أهل الخبرة، فهو أولى بالقبول من قول المقومين، وهل ينكر مجيء كثير من الأحكام مستندًا إلى الإمارات الظاهرة، والظنون الغالبة؟.
وأما وجود الشبه بين الأجانب، وانتفاؤه بين الأقارب، وإن كان واقعًا، فهو من أندر