حديث سودة، كما تقدّم. وقد انفَصل من أخذ به عن هذا بأن إلغاء الشبه في تلك المواضع التي ذكروها إنما كان لمعارض أقوى منه، وهو معدوم هنا، فانفصلا.
ثم اختلف الآخذون بأقوال القافة، هل يؤخذ بذلك في أولاد الحرائر والإماء، أو يختصّ بأولاد الإماء؟ على قولين:
فالأول قول الشافعيّ، ومالك في رواية ابن وهب عنه، ومشهور مذهبه قصره على ولد الأمة، وفرّق بينهما بأن الواطىء في الاستبراء يستند وطؤه لعقد صحيح، فله شبهة الملك، فيصحّ إلحاق الولد به، إذا أتت به لأكثر من ستّة أشهر من وطئه، وليس كذلك الوطء في العدّة؛ إذ لا عقد، إذ لا يصحّ، وعلى هذا فيلزم من نكح في العدّة أن يُحدّ، ولا يُلحق به الولد؛ إذ لا شبهة له. وليس مشهور مذهبه، وعلى هذا فالأولى ما رواه ابن وهب عنه، وقاله الشافعيّ.
ثم العجب أن هذا الحديث الذي هو الأصل في هذا الباب إنما وقع في الحرائر؛ فإن أسامة وأباه ابنا حرّتين، فكيف يلغى السبب الذي خرج عليه دليل الحكم، وهو الباعث عليه، هذا ما لا يجوز عند الأصوليين.
وكذلك اختلف هؤلاء، هل يُكتَفَى بقول واحد؛ لأنه خبر من القافة، أو لا بدّ من اثنين؛ لأنها شهادةٌ؟ وبالأول قال ابن القاسم، وهو ظاهر الخبر، بل نصّه. وبالثاني قال مالكٌ، والشافعيّ، ويلزم عليه أن يُراعَى فيها شروط الشهادة، من العدالة، وغيرها.
واختلفوا أيضَا فيما إذا ألحقته القافة بمدّعيين، هل يكون ابنًا لهما؟، وهو قول سحنون، وأبي ثور. وقيل: يُترك حتى يَكْبَر، فيوالي من شاء منهما، وهو قول عمر بن الخطاب - رضي اللَّه عنه -، وقاله مالكٌ، والشافعيّ. وقال عبد الملك، ومحمد بن مسلمة: يُلحق بأكثرهما شَبَهًا.
واختَلَفَ نفاة القول بالقافة في حكم ما أشكل، وتنوزع فيه: فقال أبو حنيفة: يُلحق الولد بهما، وكذلك بامرأتين. وقال محمد بن الحسن: يُلحق بالآباء، وإن كثروا، ولا يُلحق إلا بأم واحدة، ونحوه قال أبو يوسف. وقال إسحاق: يقرع بينهم، وقاله الشافعيّ في القديم، ويُستدلّ له بحديث عليّ - رضي اللَّه عنه - المذكور في الباب الماضي. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- باختصار (١).
وقال الإمام ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-- بعد ذكر أدلة القائلين بالعمل بالقافة-: قالت الحنفيّة: قد أجلبتم علينا في القافة بالخيل والرَّجِلِ، والحكم بالقيافة تعويلٌ على مجرّد