للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فإن أسلم الآخر قبل انقضائها، فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت العدّة وقعت الفرقة منذ اختلف الدينان، فلا يحتاج إلى استئناف العدّة. وهذا قول الزهريّ، والليث، والحسن بن صالح، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وإسحاق، ورواية عن أحمد، ونحوه عن مجاهد، وعبد اللَّه بن عمر، ومحمد بن الحسن.

وذهبت طائفة إلى وقوع الفرقة، وبه قال الحسن، وطاوس، وعكرمة، وقتادة، والحكم، وهي الرواية الثانية عن أحمد، واختارها الخلّال. وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، ونصره ابن المنذر. واحتجوا بقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}. وبأن ما يوجب فسخ النكاح لا يختلف بما قبل الدخول وبعده، كالرضاع.

واحتجّ الأولون بما روى مالك في "موطّئه" عن ابن شهاب، قال: كان بين إسلام صفوان بن أمية، وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحوٌ من شهر، أسلمت يوم الفتح، وبقي صفوان حتى شهد حُنينًا، والطائف، وهو كافرٌ، ثم أسلم، فلم يفرّق النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بينهما، واستقرّت عنده امرأته بذلك النكاح. قال ابن عبد البرّ: وشُهرة هذا الحديث أقوى من إسناده. وقال ابن شهاب: أسلمت أم حكيم يوم الفتح، وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن، فارتحلت حتى قدِمت عليه اليمن، فدعته إلى الإسلام، فأسلم، وقدِم، فبايع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فثبتا على نكاحهما. وقال ابن شُبْرُمة: كان الناس على عهد رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يُسلم الرجل قبل المرأة، والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدّة المرأة فهي امرأته، وإن أسلم بعد العدّة، فلا نكاح بينهما. ولأن أبا سفيان خرج، فأسلم عام الفتح قبل دخول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - مكة، ولم تُسلم هند امرأته حتى فتح النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - مكّة، فثبتا على نكاحهما. وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته. وخرج أبو سفيان بن الحارث، وعبد اللَّه ابن أبي أُميّة، فلقيا النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - عام الفتح بالأبواء، فأسلما قبل نسائهما، ولم يُعلم أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - فرّق بين أحد ممن أسلم وبين امرأته، ويبعد أن يتّفق إسلامهما دفعةً واحدةً.

وأما إذا أسلم أحدهما بعد إنقضاء عدّتها، انفسخ النكاح في قول عامّة العلماء، قال ابن عبد البرّ: لم يختلف العلماء في هذا، إلا شيئًا روي عن النخعيّ، شذّ فيه عن جماعة العلماء، فلم يتبعه أحد، زعم أنها تردّ إلى زوجها، وإن طالت المدّة. انتهى ملخّصًا من "المغني" لابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن الأرجح القول ببقاء النكاح بعد إسلام أحد الزوجين، مطلقًا، سواء كان قبل الدخول، أو بعده، وسواء انقضت العدّة،


(١) "المغني" ١٠/ ٦ - ١٠.