للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديث، فإن الاحتجاج به على اشتراط الإسلام عندي أظهر من الاحتجاج به على خلافه، كما حقّقه ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى- في كلامه السابق. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في تخيير الولد بين الأبوين المسلمين: ذهب إسحاق بن راهويه إلى أن الصبيّ والصبيّة مع الأم إذا طُلّقت. وقال أحمد إن كان ذكرًا، وكان دون سبع سنين، فأمه أحقّ به بلا تخيير، وإن كان له سبع، فالمشهور المختار عنه أنه يخيّر، فما دونها، أنه يُخيّر، فان لم يختر أقرع بينهما، وإن كانت أنثى، دون سبع فأمها أحقّ بها، وإن بلغت سبعًا فالمشهور عنه أنها أحقّ بها إلى تسع، وبعدها فالأب أحقّ.

وذهب الشافعيّ إلى أن الأم أحقّ بالطفل ذكرًا أو أنثى إلى سبع سنين، فإذا بلغا سبعا، وهما يعقلان خيّرا.

وذهب مالك، وأبو حنيفة إلى أنه لا تخيير بحال، ثم قال أبو حنيفة الأم أحقّ بالجارية حتى تبلغ، وبالغلام حتى يأكل، ويشرب، ويلبس وحده، ثم يكونان عند الأب. وقال مالك: الأم أحقّ بالولد ذكرًا أو أنثى حتى يبلغ، ولا يخيّر بحال. وقال الليث: الأم أحقّ بالابن إلى ثمان سنين، وبالبنت حتى تبلغ، ثم الأب بعد ذلك. وقال الحسن بن حيّ: الأم أحقّ بالبنت حتى يَكعُب ثدياها، وبالغلام حتى ييفَعَ، فيخيّران. انتهى من "زاد المعاد" بالاختصار، فمن أراد التوسّع في أدلة هذه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، فليرجع إليه (١)، فإن مؤلّفه قد أطال النفس في هذا الموضوع، وأتى بالعجب العجاب.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يترجّح عندي أن الأمّ أحقّ بالولد قبل سنّ التمييز؛ لما أخرجه أحمد، وأبو داود، واللفظ له، بإسناد صحيح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عبد اللَّه بن عمرو: أن امرأة، قالت: يا رسول اللَّه، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثدي له سقاء، وحجري له حِوَاء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: أنت أحق به، ما لم تنكحي".

فهذا حديث صحيح، صريح في وجوب حقّ الحضانة للأمّ، ما لم تتزوّج.

وأما إذا ميّز الولد، فإنه يُخيّر، فيكون مع من يختاره؛ لحديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - المذكور في الباب، وهذا هو الأحسن في الجمع بين أدلّة المسألة بدون ردّ


(١) راجع "زاد المعاد" ٥/ ٤٣٢ - ٤٩٠.