للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لم تثبت للفاسق، فالكافر أولى، فإن ضرره أكثر، فإنه يفتنه عن دينه، ويُخرجه عن الإسلام بتعليمه الكفر، وتزيينه له، وتربيته عليه، وهذا أعظم الضرر، والحضانة إنما تثبت لحظّ الولد، فلا تُشرع على وجه يكون فيه هلاكه، وهلاك دينه. فأما الحديث، فقد روي على غير هذا الوجه، ولا يُثبته أهل النقل، وفي إسناده مقال. قاله ابن المنذر. ويحتمل أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - علم أنها تختار أباها بدعوته، فكان ذلك خاصًّا في حقّه انتهى (١).

وقال العلاّمة ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى -عند تعداد شروط الحضانة-: فلا حضانة لكافر على مسلم؛ لوجهين:

[أحدهما]: أن الحاضن حريصٌ على تربية الطفل على دينه، وأن ينشأ عليه، ويتربّى عليه، فيصعب بعد كبره، وعقله انتقاله عنه، وقد يغيّره عن فطرة اللَّه التي فطر عليها عباده، فلا يراجعها أبدًا، كما قال النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "كلُّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، أو ينصّرانه، أو يمجّسانه". متّفق عليه. فلا يؤمن تهويد الحاضن، وتنصيره للطفل المسلم.

قال:

[الوجه الثاني]: أن اللَّه سبحانه وتعالى قطع الموالاة بين المسلمين والكفار، وجعل المسلمين بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء من بعض، والحضانة من أقوى أسباب الموالاة التي قطعها.

قال -رحمه اللَّه تعالى-: ثم إن الحديث قد يُحتجّ به على صحّة مذهب من اشترط الإسلام، فإن الصبيّة لما مالت إلى أمها دعا النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لها بالهداية، فمالت إلى أبيها، وهذا يدلّ على أن كونها مع الكافر خلاف هُدَى اللَّه الذي أراده من عباده، ولو استقرّ جعلها مع أمها، لكان فيه حجةٌ، بل أبطله اللَّه تعالى بدعوة رسوله - صلى اللَّه عليه وسلم -. ومن العجب أنهم يقولون: لا حضانة للفاسق، فأي فسق أكبر من الكفر؟، وأين الضرر المتوقّع من الفاسق بنشوء الطفل على طريقته إلى الضرر المتوقّع من الكافر. انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: أما الحديث فقد تقدّم أن حديث رافع بن سنان - رضي اللَّه عنه - المذكور حديث صحيح، وإنما الضعيف حديث عبد الحميد بن سلمة، عن أبيه، عن جدّه؛ للجهالة، والاضطراب، فتنبّه.

وأما حكم المسألة، فالذي يظهر لي أن ما ذهب إليه الأولون من عدم ثبوت الحضانة للكافر هو الحقّ؛ لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}، وأما


(١) "المغني" ١١/ ٤١٢ - ٤١٣.
(٢) "زاد المعاد" ٥/ ٤٦٠ - ٤٦١.